اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ} (3)

وأما «إله النَّاس » فخاص لا شركة فيه ، فجعل غاية للبيان .

واعترض أبو حيَّان{[61171]} بأن البيان يكون بالجوامد ، ويجاب عنه بأن هذا جارٍ مجرى الجوامد ، وقد تقدم تقريره في «الرحمن الرحيم » أول الفاتحة .

وقال الزمخشري{[61172]} : فإن قلت : لم قيل : «بربِّ النَّاس » مضافاً إليهم خاصة ؟ .

قلت : لأن الاستعاذة وقعت من شر الوسواس في صدور الناس ، فكأنه قيل : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم .

قال الزمخشري : «فإن قلت : فهلاَّ اكتفي بإظهار المضاف إليه الذي هو النَّاس مرة واحدة ؟ لأن عطف البيان للبيان ، فكان مظنةً للإظهار دون الإضمار » .

وكرر لفظ «النَّاس » ؛ لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار ، ولأن التكرار يقتضي مزيد شرف الناس ، وأنهم أشرف مخلوقاته .

قال ابن الخطيب{[61173]} : وإنما بدأ بذكر الرب تعالى ، وهم اسم لمن قام بتدبيره ، وإصلاحه من أوائل نعمه إلى أن رباه ، وأعطاه العقل ، فحينئذ عرف بالدليل أنه مملوك وأنه ملك ، فثنى بذكر الملك ، ثم لما علم أن العبادة لازمة له ، وعرف أنه معبود مستحق للعبادة ، وعرفه أنه إله ، فلهذا ختم به .

قال ابن الخطيب{[61174]} : ولم يقرأ في المشهورة هنا «مالك » بالألف ، كما قرئ به في الفاتحة ؛ لأن معنى المالك هو الربُّ ، فيلزم التكرار .

وقرئ به في الفاتحة ، لاختلاف المضافين ، فلا تكرار .


[61171]:البحر المحيط 8/535.
[61172]:الكشاف 4/823.
[61173]:الفخر الرازي 32/180.
[61174]:السابق 32/181.