1- سورة " السجدة " هي السورة الثانية والثلاثون في ترتيب المصحف ، وكان نزولها بعد سورة " المؤمنون " ، أي : أنها من أواخر السور المكية .
قال الآلوسي ما ملخصه : وتسمى –أيضاً- بسورة " المضاجع " . وهي مكية ، كما روي عن ابن عباس .
وروي عنه أنها مكية سوى ثلاث آيات ، تبدأ بقوله –تعالى- : [ أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً . . . ] وهي تسع وعشرون آية في البصري . وثلاثون آية في المصاحف الباقية . . . " ( {[1]} ) .
ومن فضائل هذه السورة ما رواه الشيخان عن أبي هريرة قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الفجر يوم الجمعة [ الم . تنزيل . . . ] السجدة . و[ هل أتى على الإنسان . . . ] .
وروى الإمام أحمد عن جابر قال : " كان النبي –صلى الله عليه وسلم- لا ينام حتى يقرأ هذه السورة ، وسورة تبارك " ( {[2]} ) .
2- وتبدأ هذه السورة الكريمة ، بالثناء على القرآن الكريم ، وببيان أنه من عند الله –تعالى- ، وبالرد على الذين زعموا أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قد افتراه من عند نفسه . . .
ثم تسوق ألواناً من نعم الله –تعالى- على عباده ، ومن مظاهر قدرته ، وبديع خلقه ، وشمول إرادته ، وإحسانه لكل شيء خلقه [ ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم . الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من طين ] .
3- ثم تذكر السورة الكريمة بعد ذلك جانباً من شبهات المشركين حول البعث والحساب ، وترد عليها بما يبطلها ، وتصور أحوالهم عندما يقفون أمام خالقهم للحساب تصويراً مؤثراً مرعباً قال –تعالى- : [ ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ، ربنا أبصرنا وسمعنا ، فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون ] .
4- وبعد أن تذكر السورة الكريمة ما أعده الله –تعالى- للمؤمنين من ثواب لا تعلمه نفس من الأنفس ، وما أعده للكافرين من عقاب . . بعد كل ذلك تبين أن عدالته –تعالى- قد اقتضت عدم المساواة بين الأخيار والأشرار وإنما يجازى كل إنسان على حسب عمله .
قال –تعالى- : [ أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً ، لا يستوون ] .
5- ثم تشير السورة الكريمة بعد ذلك إلى ما أعطاه الله –تعالى- لنبيه موسى –عليه السلام- من نعم ، وما منحه للصالحين من قومه من منن ، لكي يتأسى بهم المؤمنون [ ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه ، وجعلناه هدى لنبي إسرائيل . وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ، وكانوا بآياتنا يوقنون ] .
6- ثم حضت السورة الكريمة المشركين على التدبر والتفكر في آيات الله –تعالى- ، ونهتهم عن الجحود والعناد ، وحكت جانباً من سفاهاتهم ، وأمرت النبي صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم ، وأن يمضي في طريقه دون أن يعبر سفاهاتهم اهتماماً .
قال –تعالى- : [ ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين . قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ] .
7- وبعد فهذا عرض إجمالي لسورة " السجدة " ومنه نرى أنها زاخرة بالأدلة على وحدانية الله –تعالى- وقدرته ، وعلى أن القرآن حق ، والبعث حق ، والحساب حق ، والجزاء حق . .
سورة السجدة من السور التى افتتحت ببعض حروف التهجى ، وقد سبق أن ذكرنا آراء العلماء فى لك بشئ من التفصيل عند تفسيرنا لسورة : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف . .
وقلنا : ما ملخصه : إن أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض السور ، على سبيل الإِيقاظ والتنبيه إلى إعجاز القرآن .
فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك الكافرين المعارضين فى أن القرآن من عند الله : هاكم القرآن ترونه مؤلفاً من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ومنظوماً من حروف ، وهى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم .
فإن كنتم فى شك من كونه منزلاً من عند الله فهاتوا مثله ، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك ، أو هاتوا عشر سور من مثله ، أو سورة من مثله . .
ومع كل هذا التساهل فى التحدى . فقد عجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت بذلك أن القرآن من عند الله - تعالى - وحده .
تفسير سورة السجدة{[1]}
قال البخاري في " كتاب الجمعة " : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج ، {[2]} عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : كان النبي{[3]} صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة : { الم * تَنزيلُ } السجدة ، و{ هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ } .
ورواه مسلم أيضًا من حديث سفيان الثوري ، به . {[4]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، أخبرنا الحسن بن صالح ، عن لَيْث ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ { الم * تَنزيلُ } السجدة و{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } تفرد به أحمد . {[5]}
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة " البقرة " بما أغنى عن إعادته .
القول في تأويل قوله تعالى : { الَمَ * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رّبّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقّ مِن رّبّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مّآ أَتَاهُم مّن نّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ لَعَلّهُمْ يَهْتَدُونَ } .
قال أبو حعفر : قد مضى البيان عن تأويل قوله الم بما فيه الكفاية . وقوله : تَنزِيلُ الكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ يقول تعالى ذكره : تنزيل الكتاب الذي نزّل على محمد صلى الله عليه وسلم ، لا شكّ فيه من ربّ العالمين : يقول : من ربّ الثقلين : الجنّ ، والإنس . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : الم تَنْزِيلُ الكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ لا شكّ فيه . وإنما معنى الكلام : أن هذا القرآن الذي أُنزل على محمد لا شكّ فيه أنه من عند الله ، وليس بشعر ولا سجع كاهن ، ولا هو مما تخرّصه محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما كذّب جلّ ثناؤه بذلك قول الذين قالُوا أساطِيرُ الأوّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وأصِيلاً وقول الذين قالوا : إنْ هَذَا إلاّ إفْكٌ افْتَرَاهُ وأعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ .