الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية ، غير ثلاث آيات نزلت بالمدينة ، وهي قوله تعالى : " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا " [ السجدة : 18 ] تمام ثلاث آيات . قاله الكلبّي ومقاتل . وقال غيرهما : إلا خمس آيات ، من قوله تعالى : " تتجافى{[1]} جنوبهم " إلى قوله " الذي كنتم به تكذبون " [ السجدة : 16 ] . وهي ثلاثون آية . وقيل تسع وعشرون . وفي الصحيح عن ابن عباس أن النبّي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة " الم . تنزيل " السجدة ، و " هل أتى على الإنسان حين من الدهر " الحديث . وخرج الدارمي أبو محمد في مسنده عن جابر بن عبد الله قال : كان النبّي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ : " الم . تنزيل " السجدة . و " تبارك الذي بيده الملك " [ الملك : 1 ] . قال الدارمي : وأخبرنا أبو المغيرة قال حدثنا عبدة عن خالد بن معدان قال : اقرؤوا المنجية ، وهي " الم . تنزيل " فإنه بلغني أن رجلا كان يقرؤها ، ما يقرأ شيئا غيرها ، وكان كثير الخطايا فنشرت جناحها عليه وقالت : رب اغفر له فإنه كان يكثر من قراءتي ، فشفعها الرب فيه وقال ( اكتبوا له بكل خطيئة حسنة وارفعوا له درجة ) .

قوله تعالى : " الم . تنزيل الكتاب " الإجماع على رفع " تنزيلُ الكتاب " ولو كان منصوبا على المصدر لجاز ، كما قرأ الكوفيون : " إنك لمن المرسلين . على صراط مستقيم . تنزيل العزيز الرحيم " [ يس : 5 ] . و " تنزيل " رفع بالابتداء والخبر " لا ريب فيه " . أو خبر على إضمار مبتدأ ؛ أي هذا تنزيل ، أو المتلو تنزيل ، أو هذه الحروف تنزيل . ودلت : " الم " على ذكر الحروف . ويجوز أن يكون " لا ريب فيه " في موضع الحال من " الكتاب " . و " من رب العالمين " الخبر . قال مكّي : وهو أحسنها . " لا ريب فيه من رب العالمين " لا شك فيه أنه من عند الله ؛ فليس بسحر ولا شعر ولا كهانة ولا أساطير الأولين .


[1]:لعله عمرو بن مرة المذكور في سند الحديث (انظر ابن ماجه ج 1 ص 139 وسنن أبي داود ج 1 ص 77 طبع مصر).