معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

قوله تعالى :{ إيلافهم } بدل من الإيلاف الأول ، { رحلة الشتاء والصيف } { رحلة } نصب على المصدر ، أي ارتحالهم رحلة الشتاء والصيف . روى عكرمة ، وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف ، فأمرهم الله تعالى أن يقيموا بالحرم ويعبدوا رب هذا البيت . وقال الآخرون : كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة : إحداهما في الشتاء إلى اليمن ؛ لأنها أدفأ ، والأخرى في الصيف إلى الشام . وكان الحرم وادياً جدباً لا زرع فيه ولا ضرع ، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم ، وكان لا يتعرض لهم أحد بسوء ، كانوا يقولون : قريش سكان حرم الله وولاة بيته ، فلولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة ، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف ، وشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام ، فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن ، فحملوا الطعام إلى مكة ، أهل الساحل من البحر على السفن ، وأهل البر على الإبل والحمير ، فألقى أهل الساحل بجدة ، وأهل البر بالمحصب ، وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة فألقوا بالأبطح ، فامتاروا من قريب ، وكفاهم الله مؤونة الرحلتين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن ، والصيف للشام ، لأجل التجارة والمكاسب .

فأهلك الله من أرادهم بسوء ، وعظم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب ، حتى احترموهم ، ولم يعترضوا لهم في أي : سفر أرادوا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

وقوله : { إِيلاَفِهِمْ } بدل أو عطف بيان من قوله { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } ، وهو من أسلوب الإِجمال فالتفصيل للعناية بالخبر ، ليتمكن فى ذهن السامع كما فى قوله - تعالى - : { لعلي أَبْلُغُ الأسباب . أَسْبَابَ السماوات . . . } واللام فى قوله - تعالى - : { لإِيلاَفِ . . . } للتعليل . والجار والمجرور متعلق بقوله - تعالى - : { فَلْيَعْبُدُواْ . . . } وتقدير الكلام : من الواجب على أهل مكة أن يخلصوا العبادة لله - لأنه - سبحانه - هو الذى جمعهم بعد تفرق ، وألف بينهم ، وهيأ لهم رحلتين فيهما ما فيهما من النفع والأمن .

وزيدت الفاء فى قوله - تعالى - : { فَلْيَعْبُدُواْ . . . } لما فى الكلام من معنى الشرط ، فكأنه - سبحانه - يقول لهم : إن لم تعبدونى من أجل نعمي التى لا تحصى ، فاعبدوني من أجل أني جعلتكم تألفون هاتين الرحلتين النافعتين في أمان واطمئنان ، وأني جمعت شملكم ، وألفت بينكم . .

قال صاحب الكشاف : { لإِيلاف قريش } متعلق بقوله : { فَلْيَعْبُدُواْ } أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحتلين .

فإن قلت : فلم دخلت الفاء ؟ قلت : لما في الكلام من معنى الشرط ، لأن المعنى : إما لا فليعبدوه لإِيلافهم . على معنى أن نعم الله عليهم لا تحصى ، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه ، فليعبدوه لهذه الواحدة التى هي نعمة ظاهرة .

وقيل المعنى : اعجبوا لإِيلاف قريش . وقيل : هو متعلق بما قبله - في السورة السابقة - أي : فجعلهم كعصف مأكول . لإِيلاف قريش ، وهذا بمنزلة التضمين فى الشعر ، وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله . .

وقوله - سبحانه - : { رِحْلَةَ الشتآء والصيف } بيان لمظهر من مظاهر هذا الإِيلاف الذى منحه - سبحانه - لهم ، والرحلة هنا : اسم لارتحال القوم من مكان إلى آخر ، ولفظ " رحلة " منصوب على أنه مفعول به لقوله { إِيلاَفِهِمْ } . .

والمراد بهذه الرحلة : ارتحالهم فى الشتاء إلى بلاد اليمن ، وفي الصيف إلى بلاد الشام ، من أجل التجارة ، واجتلاب الربح ، واستدرار الرزق ، والاستكثار من القوت واللباس وما يشبههما من مطالب الحياة .

وقيل : المراد برحلة الشتاء والصيف : رحلة الناس إليهم فى الشتاء والصيف للحج والعمرة ، فقد كان الناس يأتون إلى مكة فى الشتاء والصيف لهذه الأغراض ، فيجد أهل مكة من وراء ذلك الخير والنفع ، كما قال - تعالى - : { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

سورة قريش مكية وآيتها أربع

استجاب الله دعوة خليله إبراهيم ، وهو يتوجه إليه عقب بناء البيت وتطهيره : ( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات ) . . فجعل هذا البيت آمنا ، وجعله عتيقا من سلطة المتسلطين وجبروت الجبارين ؛ وجعل من يأوي إليه آمنا والمخافة من حوله في كل مكان . . حتى حين انحرف الناس وأشركوا بربهم وعبدوا معه الأصنام . . لأمر يريده سبحانه بهذا البيت الحرام .

ولما توجه أصحاب الفيل لهدمه كان من أمرهم ما كان ، مما فصلته سورة الفيل . وحفظ الله للبيت أمنه ، وصان حرمته ؛ وكان من حوله كما قال الله فيهم : ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ? ) .

وقد كان لحادث الفيل أثر مضاعف في زيادة حرمة البيت عند العرب في جميع أنحاء الجزيرة ، وزيادة مكانة أهله وسدنته من قريش ، مما ساعدهم على أن يسيروا في الأرض آمنين ، حيثما حلوا وجدوا الكرامة والرعاية ، وشجعهم على إنشاء خطين عظيمين من خطوط التجارة - عن طريق القوافل - إلى اليمن في الجنوب ، وإلى الشام في الشمال . وإلى تنظيم رحلتين تجاريتين ضخمتين : إحداهما إلى اليمن في الشتاء ، والثانية إلى الشام في الصيف .

ومع ما كانت عليه حالة الأمن في شعاب الجزيرة من سوء ؛ وعلى ما كان شائعا من غارات السلب والنهب ، فإن حرمة البيت في أنحاء الجزيرة قد كفلت لجيرته الأمن والسلامة في هذه التجارة المغرية ، وجعلت لقريش بصفة خاصة ميزة ظاهرة ؛ وفتحت أمامها أبواب الرزق الواسع المكفول ، في أمان وسلام وطمأنينة . وألفت نفوسهم هاتين الرحلتين الآمنتين الرابحتين ، فصارتا لهم عادة وإلفا !

هذه هي المنة التي يذكرهم الله بها - بعد البعثة - كما ذكرهم منة حادث الفيل في السورة السابقة ، منة إيلافهم رحلتي الشتاء والصيف ، ومنة الرزق الذي أفاضه عليهم بهاتين الرحلتين - وبلادهم قفرة جفرة وهم طاعمون هانئون من فضل الله . ومنة أمنهم الخوف . سواء في عقر دارهم بجوار بيت الله ، أم في أسفارهم وترحالهم في رعاية حرمة البيت التي فرضها الله وحرسها من كل اعتداء .

يذكرهم بهذه المنن ليستحيوا مما هم فيه من عبادة غير الله معه ؛ وهو رب هذا البيت الذي يعيشون في جواره آمنين طاعمين ؛ ويسيرون باسمه مرعيين ويعودون سالمين . .

يقول لهم : من أجل إيلاف قريش : رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي كفل لهم الأمن فجعل نفوسهم تألف الرحلة ، وتنال من ورائها ما تنال ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع ) . . وكان الأصل - بحسب حالة أرضهم - أن يجوعوا ، فأطعمهم الله وأشبعهم من هذا الجوع ( وآمنهم من خوف ) . . وكان الأصل - بحسب ما هم فيه من ضعف وبحسب حالة البيئة من حولهم - أن يكونوا في خوف فآمنهم من هذا الخوف !

وهو تذكير يستجيش الحياء في النفوس . ويثير الخجل في القلوب . وما كانت قريش تجهل قيمة البيت وأثر حرمته في حياتها . وما كانت في ساعة الشدة والكربة تلجأ إلا إلى رب هذا البيت وحده . وها هو ذا عبد المطلب لا يواجه أبرهة بجيش ولا قوة . إنما يواجهه برب هذا البيت الذي يتولى حماية بيته ! لم يواجهه بصنم ولا وثن ، ولم يقل له . . إن الآلهة ستحمي بيتها . إنما قال له : " أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه " . . ولكن انحراف الجاهلية لا يقف عند منطق ، ولا يثوب إلى حق ، ولا يرجع إلى معقول .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

بسم الله الرحمن الرحيم { لإيلاف قريش } متعلق بقوله { فليعبدوا رب هذا البيت } والفاء لما في الكلام من معنى الشرط ؛ إذ المعنى أن نعم الله عليهم لا تحصى ، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لأجل إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، أي الرحلة في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام ، فيمتارون ويتجرون ، أو بمحذوف مثل اعجبوا ، أو بما قبله كالتضمين في الشعر ، أي فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ، ويؤيده أنهما في مصحف أبي سورة واحدة . وقرئ ليألف قريش إلفهم رحلة الشتاء . وقريش ولد النضر بن كنانة منقول من تصغير قريش ، وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن فلا تطاق إلا بالنار ، فشبهوا بها ؛ لأنها تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، وصغر الاسم للتعظيم ، وإطلاق الإيلاف ثم إبدال المقيد عنه للتفخيم . وقرأ ابن عامر لئلاف بغير ياء بعد الهمزة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي : { لإيلاف قريش إيلافهم } على إفعال ، والهمزة الثانية ياء ، وقرأ ابن عامر «لإلآف » على فعال { إيلافهم } على إفعال بياء في الثانية ، وقرأ أبو بكر عن عاصم : بهمزتين فيهما الثانية ساكنة ، قال أبو علي : وتحقيق عاصم هاتين الهمزتين لا وجه له ، وقرأ أبو جعفر : «إلْفهم » بلام ساكنة ، و { قريش } ولد النضر بن كنانة ، والتقرش : التكسب ، وتقول : ألف الرجل الأمر وآلفه غيره ، فالله عز وجل آلف قريشاً ، أي جعلهم يألفون رحلتين في العام : رحلة في الشتاء وأخرى في الصيف ، ويقال أيضاً : ألف بمعنى آلف ، وأنشد أبو زيد : [ الطويل ]

من المؤلفات الرمل أدماء حرة . . . شعاع الضحى في جيدها يتوضح{[11995]}

فألف وإلاف مصدر ألف ، و «إيلاف » مصدر آلف ، قال بعض الناس : كانت الرحلتان إلى الشام في التجارة ، وقيل : الأرباح ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]

سفرين بينهما له ولغيره . . . سفر الشتاء ورحلة الأصياف{[11996]}

وقال ابن عباس : كانت { رحلة الشتاء } إلى اليمن ، ورحلة الصيف إلى بصرى من أرض الشام ، قال أبو صالح : كانت جميعاً إلى الشام ، وقال ابن عباس أيضاً : كانوا يرحلون في الصيف إلى الطائف حيث الماء والظل ، ويرحلون في الشتاء إلى مكة للتجارة وسائر أغراضهم ، فهاتان رحلتا الشتاء والصيف ، قال الخليل بن أحمد : فمعنى الآية : لأن فعل الله بقريش هذا ومكنهم من إلفهم هذه النعمة { فليعبدوا رب هذا البيت } .

قال القاضي أبو محمد : وذكر البيت هنا متمكن لتقدم حمد الله في السورة التي قبل ، وقال الأخفش ، وغيره : { لإيلاف } ، متعلقة بقوله : { فجعلهم كعصف مأكول } [ الفيل : 5 ] ، أي ليفعل بقريش هذه الأفاعيل الجميلة ، وقال بعض المفسرين : معنى الآية : أعجبوا { لإيلاف قريش } ، هذه الأسفار وإعراضهم عن عبادة الله .


[11995]:هذا البيت لذي الرمة، والرواية في اللسان: "في متنها يتوضح" بدلا من "جيدها"، وهو شاهد على أن "آلف" تأتي بمعنى "ألف". يقال: "ألفت الشيء وآلفته" بمعنى: لزمته، والألفة هي الأنس بالشيء والتزامه، والأدماء: شديدة السمرة يصفها بأنها ممن ألفت الرمل وأنست إليه، وأنها سمراء تعودت أن تعيش حرة، ويصف جيدها بأنه يلمع كأن شعاع الشمس يصدر عنه.
[11996]:سن: وضع وبين، وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم من بعده فهو الذي سنه. والأصياف: جمع صيف، وهو الفصل المعروف من فصول العام، يقال في جمعه: صيوف وأصياف. ونرجح أن البيت من قصيدة قالها مطرود بن كعب الخزاعي في رثاء عبد المطلب ومدح فيها آل عبد مناف.