قوله تعالى : { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } ، ولا تعبد غيري ، { وأقم الصلاة لذكري } ، قال مجاهد : أقم الصلاة لتذكرني فيها ، وقال مقاتل : إذا تركت صلاة ، ثم ذكرتها ، فأقمها .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو عمرو بكر بن محمد المزني ، أنا أبو بكر بن محمد بن عبد الله الحفيد ، أنا الحسين بن الفضل البجلي ، أنا عفان ، أنا همام ، أنا قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نسي صلاةً ، فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ثم قال : سمعته يقول بعد ذلك : " أقم الصلاة لذكري " .
ثم بين الذي يوحيه إليه بقوله : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا } أي : الله المستحق الألوهية المتصف بها ، لأنه الكامل في أسمائه وصفاته ، المنفرد بأفعاله ، الذي لا شريك له ولا مثيل ولا كفو ولا سمي ، { فَاعْبُدْنِي } بجميع أنواع العبادة ، ظاهرها وباطنها ، أصولها وفروعها ، ثم خص الصلاة بالذكر وإن كانت داخلة في العبادة ، لفضلها وشرفها ، وتضمنها عبودية القلب واللسان والجوارح .
وقوله : { لِذِكْرِي } اللام للتعليل أي : أقم الصلاة لأجل ذكرك إياي ، لأن ذكره تعالى أجل المقاصد ، وهو عبودية القلب ، وبه سعادته ، فالقلب المعطل عن ذكر الله ، معطل عن كل خير ، وقد خرب كل الخراب ، فشرع الله للعباد أنواع العبادات ، التي المقصود منها إقامة ذكره ، وخصوصا الصلاة .
قال الله تعالى : { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } أي : ما فيها من ذكر الله أكبر من نهيها عن الفحشاء والمنكر ، وهذا النوع يقال له توحيد الألوهية ، وتوحيد العبادة ، فالألوهية وصفه تعالى ، والعبودية وصف عبده .
{ إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ } مستحق للعبادة والطاعة والخضوع { فاعبدني } عبادة خالصة لوجهى .
{ وَأَقِمِ الصلاة } التى هى من أشرف العبادات ، وأفضل الطاعات { لذكري } أى : وأدم إقامة الصلاة بخشوع وإخلاص ، ليشتد تذكرك لى ، واتصالك بى ، وذلك لأن الصلاة مشتملة على الكثير من الأذكار التى فيها الثناء على ذاتى وصفاتى .
أو المعنى : وأدم الصلاة لذكرى خاصة ، بحيث تكون خالصة لوجهى ، ولا رياء فيها لأحد .
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : { لذكري } الظاهر أنه متعلق بأقم ، أى : أقم الصلاة لذكرى فيها لاشتمالها على الأذكار . وقيل : المراد أقم الصلاة لذكرى خاصة لا ترائى بها ولا تشوبها بذكر غيرى . . . أو لكى أذكرك بالثناء وأثيبك بها . أو لذكرى إياها فى الكتب السماوية وأمرى بها . أو لأوقات ذكرى وهى مواقيت الصلاة . فاللام وقتية بمعنى عند ؛ مثلها فى قوله - تعالى - { يَقُولُ ياليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } ومن الناس من حمل الذكر على ذكر الصلاة بعد نسيانها . والمراد : أقم الصلاة عند تذكرها .
ففى الحديث الصحيح : " من نام عن صلاة أو نسيها . فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك . . . " .
وخص - سبحانه - الصلاة بالذكر مع أنها داخلة فى العبادة المأمور بها فى قوله { فاعبدني } على سبيل التشريف والتكريم ، إذ الصلاة أكمل وسيلة توصل الإنسان إلى مداومة ذكر الله - تعالى - وخشيته ، لاشتمالها على ألوان متعددة من صور العبادة والطاعة ، إذ فيها قراءة للقرآن الكريم ، وفيها الصلاة على النبى - صلى الله عليه وسلم - وفيها تسبيح الله وتمجيده .
ويلخص ما يوحى في ثلاثة أمور مترابطة : الاعتقاد بالوحدانية ، والتوجه بالعبادة ، والإيمان بالساعة ؛ وهي أسس رسالة الله الواحدة :
( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري . إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى . فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ) . .
فأما الألوهية الواحدة فهي قوام العقيدة . والله في ندائه لموسى - عليه السلام - يؤكدها بكل المؤكدات : بالإثبات المؤكد . ( إنني أنا الله )وبالقصر المستفاد من النفي والاستثناء : لا إله إلا أنا الأولى لإثبات الألوهية لله ، والثانية لنفيها عن سواه . . وعلى الألوهية تترتب العبادة ؛ والعبادة تشمل التوجه لله في كل نشاط الحياة ؛ ولكنه يخص بالذكر منها الصلاة : ( وأقم الصلاة لذكري )لأن الصلاة أكمل صورة من صور العبادة ، وأكمل وسيلة من وسائل الذكر ، لأنها تتمحض لهذه الغاية ، وتتجرد من كل الملابسات الأخرى ؛ وتتهيأ فيها النفس لهذا الغرض وحده ، وتتجمع للاتصال بالله .
{ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } بدل مما يوحى دال على أنه مقصور على تقرير التوحيد الذي هو منتهى العلم والأمر بالعبادة التي هي كمال العمل . { وأقم الصلاة لذكري } خصها بالذكر وأفردها بالأمر للعلة التي أناط بها إقامتها ، وهو تذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره . وقيل { لذكري } لأني ذكرتها في الكتب وأمرت ، بها أو لأن أذكرك بالثناء ، أو { لذكري } خاصة لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري . وقيل لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة أو لذكر صلاتي . لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال " من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها إن الله تعالى يقول أقم الصلاة لذكري " .
وقوله { وأقم الصلاة لذكري } يحتمل أن يريد لتذكيري فيها أو يريد لأذكرك في عليين بها فالمصدر على هذا يحتمل الإضافة إلى الفاعل أو إلى المفعول واللام لام السبب ، وقالت فرقة معنى قوله { لذكري } أي عند ذكري إذا ذكرتني وأمري لك بها ، فاللام على هذا بمنزلتها في قوله { أقم الصلاة لدلوك الشمس }{[8085]} [ الإسراء : 78 ] وقرأت فرقة » للذكرى « ، وقرأت فرقة » لذكرى «بغير تعريف{[8086]} ، وقرأت فرقة » للذكر « .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.