التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ} (14)

قوله : ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) وهذا بيان من الله لكليمه موسى عليه السلام عن أعظم حقيقة يجب عليه أن يقف عليها ويعمل بمقتضاها وهي أن الله واحد لا شريك له ، وأنه لا إله غيره ، فعليه أن يعبده وحده ، وذلك بالخضوع لجلاله والاستسلام لأمره .

قوله : ( وأقم الصلاة لذكرى ) أي صل لكي تذكرني ؛ فإن الصلاة تشمل على الأذكار . أو لأجل أن أذكر بالثناء ، وقيل : إذا نسيت الصلاة فتذكرت ، صل ، وهذا الراجح ، لما روي في الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله ( ص ) : " من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا لك " وروى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ( ص ) قال : " من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها " والأمر هنا للوجوب . وهذا دليل على وجوب القضاء على كل من النائم أو الساهي ، والغافل ، سواء كانت الصلاة الفائتة كثيرة أو قليلة . وقد ذهب إلى ذلك عامة العلماء . وحكي خلاف ذلك مما هو شاذ لا يُعتد به ؛ فقد ذكر أن ما زاد على خمس صلوات لا يجب أن يقضى . وهو قول بغير دليل فلا ينظر إليه .

وعلى هذا لو فاتته صلاة يجب أن يقضيها . وقيل : يقضيها على الترتيب فلو ترك الترتيب في قضائها جاز عند الإمام الشافعي . ولو دخل عليه وقت فريضة وتذكر فائتة ؛ فإن كان ثمة سعة في الوقت استحب أن يبدأ بالصلاة الفائتة ولو بدأ بصلاة الوقت جاز ، أما إن ضاق الوقت بحيث لو بدأ بالفائتة ؛ فإنه يفوته الوقت ، وجب أن يبدأ بصلاة الوقت كيلا تفوت . ولو تذكر الفائتة بعد ما شرع في صلاة الوقت ؛ أتمها ثم قضى الفائتة ، ويستحب أن يعيد صلاة الوقت بعدها من غير وجوب . هذا جمله مذهب الشافعية في المسألة{[2946]} .

أما المالكية : فجملة مذهبهم أن من ذكر صلاة وقد حضر وقت صلاة أخرى ؛ فإنه يبدأ بالتي نسيها إذا كان خمس صلوات فأدنى . وإن كان أكثر من ذلك بدأ بالتي حضر وقتها . ويشبه هذا مذهب الحنفية والثوري والليث ، إلا الحنفية قالوا : الترتيب عندنا واجب في اليوم والليلة إذا كان في الوقت سعة للفائتة ولصلاة الوقت فإن خشي فوات الوقت بدأ بها . أما إن زاد على صلاة يوم وليلة ؛ لم يجب الترتيب .

واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : ( وأقم الصلاة لذكرى ) أي لتذكرها . واللام بمعنى عند . فيكون المعنى : أقم الصلاة المتذكرة عند تذكرها . وذلك يقتضي رعاية الترتيب . واستدلوا كذلك بالخبر : " من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها " والفاء للترتيب ، واستدلوا من الأثر بما رواه جابر بن عبد الله قال : " جاء عمر بن الخطاب ( رضي الله عنهما ) إلى النبي ( ص ) يوم الخندق فجعل يسب كفار قريش ويقول : يا رسول الله ما صليت صلاة العصر حتى كادت تغيب الشمس ، فقال النبي ( ص ) : " وأنا والله ما صليتها بعد " قال : فنزل إلى البطحاء وصلى العصر بعد ما غابت الشمس ، ثم صلى المغرب بعدها . وهذا يدل على لزوم البداءة بالفائتة قبل الحاضرة .

أما ترك الصلاة عمدا ، فيجب فيه القضاء على التارك وإن كان عاصيا وعليه التوبة والاستغفار عند كل قضاء وهو قول الجمهور .

والفرق بين المتعمد والناسي والنائم ، وهو حطّ الإثم عن الأخيرين ، أما الأول وهو المتعمد فهو آثم فلزمه الاستغفار . لكن الجميع يلزمهم القضاء لقوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة ) وذلك من غير فرق بين أن يكون ذلك في وقتها أو بعدها . ولئن ثبت الأمر بقضاء النائم والناسي وكان ذلك في حقهما واجبا مع أنهما غير آثمين ؛ فإن العامد أولى بوجوب القضاء . {[2947]}


[2946]:- تفسير الرازي جـ22 ض 20.
[2947]:- تفسير القرطبي جـ11 ص 177، 178 وتفسير الرازي جـ22 ص 20.