البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ} (14)

وحذف الفاعل في { يوحى } للعلم به ويحسنه كونه فاصلة ، فلو كان مبنياً للفاعل لم يكن فاصلة والموحى قوله { إني أنا الله } إلى آخره معناه وحّدني كقوله تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون } إلى آخر الجمل جاء ذلك تبييناً وتفسيراً للإبهام في قوله { لما يوحى } .

وقال المفسرون { فاعبدني } هنا وحدني كقوله تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون } معناه ليوحدون ، والأولى أن يكون { فاعبدني } لفظا يتناول ما كلفه به من العبادة ، ثم عطف عليه ما هو قد يدخل تحت ذلك المطلق فبدأ بالصلاة إذ هي أفضل الأعمال وأنفعها في الآخرة ، والذكر مصدر يحتمل أن يضاف إلى الفاعل أي ليذكرني فإن ذكري أن اعبد ويصلى لي أو ليذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأذكار أو لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها ، ويحتمل أن تضاف إلى المفعول أي لأن أذكرك بالمدح والثناء وأجعل لك لسان صدق ، أو لأن تذكرني خاصة لا تشوبه بذكر غيري أو خلاص ذكري وطلب وجهي لا ترائي بها ولا تقصد بها غرضاً آخر ، أو لتكون لي ذاكراً غير ناسٍ فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به كما قال

{ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة لقوله { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً } واللام على هذا القول مثلها في قوله { أقم الصلاة لدلوك الشمس } وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها من قوله عليه الصلاة والسلام : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " .

قال الزمخشري : وكان حق العبادة أن يقال لذكرها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا ذكرها » .

ومن يتمحل له يقول : إذا ذكر الصلاة فقد ذكر الله ، أو بتقدير حذف المضاف أي لذكر صلاتي أو لأن الذكر والنسيان من الله عز وجل في الحقيقة انتهى .

وفي الحديث بعد قوله : «فليصلها إذا ذكرها » قوله «إذ لا كفارة لها إلاّ ذلك » ثم قرأ { وأقم الصلاة لذكري } .

وقرأ السلمي والنخعي وأبو رجاء : للذكرى بلام التعريف وألف التأنيث ، فالذكرى بمعنى التذكرة أي لتذكيري إياك إذا ذكرتك بعد نسيانك فأقمها .

وقرأت فرقة لِذِكْرَى بألف التأنيث بغير لام التعريف .

وقرأت فرقة : للذكر .