قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان* فيهن قاصرات الطرف } غاضات الأعين ، قصرن طرفهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم ولا يردن غيرهم . قال ابن زيد : تقول لزوجها : وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك ، فالحمد لله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجتك . { لم يطمثهن } لم يجامعهن ولم يفرعهن وأصله من الدم ، قيل للحائض : طامث ، كأنه قال : لم تدمهن بالجماع ، { إنس قبلهم ولا جان } قال الزجاج : فيه دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي . قال مجاهد : إذا جامع الرجل ولم يسم الله انطوى الجان على إحليله فجامع معه . قال مقاتل في قوله : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان } لأنهن خلقن في الجنة . فعلى قوله : هؤلاء من حور الجنة . وقال الشعبي : هن من نساء الدنيا لم يمسسن منذ أنشئن وهو قول الكلبي ، يعني : لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان . وقرأ طلحة بن مصرف : لم يطمثهن بضم الميم فيهما . وقرأ الكسائي إحداهما بالضم ، فإن كسر الأولى ضم الثانية وإن ضم الأولى كسر الثانية ، لما روى أبو إسحاق السبيعي قال : كنت أصلي خلف أصحاب علي رضي الله عنه فأسمعهم يقرؤون : لم يطمثهن بالرفع ، وكنت أصلى خلف أصحاب عبد الله بن مسعود فأسمعهم يقرؤون بكسر الميم ، وكان الكسائي يضم إحداهما ويكسر الأخرى لئلا يخرج عن هذين الأثرين .
{ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } أي : قد قصرن طرفهن على أزواجهن ، من حسنهم وجمالهم ، وكمال محبتهن لهم ، وقصرن أيضا طرف أزواجهن عليهن ، من حسنهن وجمالهن ولذة وصالهن ، { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ } أي : لم ينلهن قبلهم أحد من الإنس والجن ، بل هن أبكار عرب ، متحببات إلى أزواجهن ، بحسن التبعل والتغنج والملاحة والدلال ، ولهذا قال : { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ }
ثم بين - سبحانه - ألوانا أخرى من نعيمهم فقال : { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطرف لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } .
وقوله - سبحانه - : { قَاصِرَاتُ الطرف } صفة لموصوف محذوف . والطمث : كناية عن افتضاض البكارة . يقال : طمث الرجل امرأته - من باب ضرب وقتل - ، إذا أزال بكارتها . وأصل الطمث : الجماع المؤدى إلى خروج دم الفتاة البكر ، ثم أطلق على كل جماع وإن لم يكن معه دم .
أى : فى هاتين الجنتين اللتين أعدهما - سبحانه - لمن خاف مقامه . . . نساء قاصرات عيونهم على أزواجهن ، ولا يتلفتن إلى غيرهم . وهؤلاء النساء من صفاتهن - أيضا - أنهن أبكار ، لم يلمسهن ولم يزل بكارتهن أحد قبل هؤلاء الأزواج . . . وكأن هؤلاء النساء فى صفائهن وجمالهن وحمرة خدودهن . . . الياقوت والمرجان .
ولما ذكر الفرش وعظمتها قال بعد ذلك : { فِيهِنَّ } أي : في الفرش { قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } أي غضيضات عن غير أزواجهن ، فلا يرين شيئا أحسن في الجنة من أزواجهن . قاله ابن عباس ، وقتادة ، وعطاء الخراساني ، وابن زيد .
وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها : والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ، ولا في الجنة شيئ أحب إلي منك ، فالحمد لله الذي جعلك لي وجعلني لك .
{ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ } أي : بل هن أبكار عرب أتراب ، لم يطأهن أحد قبل أزواجهن من الإنس والجن . وهذه أيضا من الأدلة على دخول مؤمني الجن الجنة .
قال أرطاة بن المنذر : سئل ضَمْرَةُ بن حبيب : هل يدخل الجن الجنة ؟ قال : نعم ، وينكحون ، للجن جنيات ، وللإنس إنسيات . وذلك قوله : { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .
والضمير في قوله : { فيهن } للفرش ، وقيل للجنات ، إذ الجنتان جنات في المعنى . والجنى ما يجتنى من الثمار ، ووصفه بالدنو ، لأنه فيما روي في الحديث يتناوله المرء على أي حالة كان من قيام أو جلوس أو اضطجاع{[10846]} لأنه يدنو إلى مشتهيه . و : { قاصرات الطرف } هي الحور العين ، قصرن ألحاظهن على أزواجهن .
وقرأ أبو عمرو عن الكسائي وحده وطلحة وعيسى وأصحاب علي وابن مسعود : «يطمُثهن » بضم الميم . وقرأ جمهور القراء : «يطمِثهن » بكسر الميم . والمعنى : لم يفتضضهن{[10847]} لأن الطمث دم الفرج ، فيقال لدم الحيض : طمث ، ولدم الافتضاض : طمث ، فإذا نفي الافتضاض ، فقد نفي القرب منهن بجهة الوطء . قال الفراء : لا يقال طمث إلا إذا افتض .
قال غيره : طمث ، معناه : جامع بكراً أو غيرها .
واختلف الناس في قوله : { ولا جان } فقال مجاهد : الجن قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن ، إذا لم يذكر الزوج الله تعالى ، فتنفي هذه الآية جميع المجامعات . وقال ضمرة بن حبيب : الجن لهم { قاصرات الطرف } من الجن نوعهم ، فنفى في هذه الآية الافتضاض عن البشريات والجنيات .
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل اللفظ أن يكون مبالغة وتأكيداً ، كأنه قال : { لم يطمثهن } شيء ، أراد العموم التام ، لكنه صرح من ذلك بالذي يعقل منه أن يطمث . وقال أبو عبيدة والطبري : إن من العرب من يقول : ما طمث هذا البعير حبل قط ، أي ما مسه .
قال القاضي أبو محمد : فإن كان هذا المعنى ما أدماه حبل ، فهو يقرب من الأول . وإلا فهو معنى آخر غير الذي قدمناه . وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : «ولا جأن » بالهمز .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.