البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ} (56)

قاصرات الطرف : قصرت ألحاظهن على أزواجهنّ . قال الشاعر :

من القاصرات الطرف لو دب محول *** من الذر فوق الأثب منها لأثرا

الطمث : دم الحيض ودم الافتضاض .

والضمير في { فيهن } عائد على الجنان الدال عليهن جنتان ، إذ كل فرد فرد له جنتان ، فصح أنها جنان كثيرة ، وإن كان الجنتان أريد بهما حقيقة التثنية ، وأن لكل جنس من الجن والإنس جنة واحدة ، فالضمير يعود على ما اشتملت عليه الجنة من المجالس والقصور والمنازل .

وقيل : يعود على الفرش ، أي فيهن معدات للاستماع ، وهو قول حسن قريب المأخذ .

وقال الزمخشري : فيهن في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والجنى .

انتهى ، وفيه بعد .

وقال الفراء : كل موضع من الجنة جنة ، فلذلك قال : { فيهن } ، والطرف أصله مصدر ، فلذلك وحد .

والظاهر أنهن اللواتي يقصرون أعينهن على أزواجهن ، فلا ينظرن إلى غيرهم .

قال ابن زيد : تقول لزوجها : وعزة ربي ما أرى في الجنة أحسن منك .

وقيل : الطرف طرف غيرهن ، أي قصرن عيني من ينظر إليهن عن النظر إلى غيرهن .

{ لم يطمثهن } ، قال ابن عباس : لم يفتضهن قبل أزواجهن .

وقيل : لم يطأهن على أي وجه .

كان الوطء من افتضاض أو غيره ، وهو قول عكرمة .

والضمير في { قبلهم } عائد على من عاد عليه الضمير في { متكئين } .

وقرأ الجمهور : بكسر ميم يطمثهن في الموضعين ؛ وطلحة وعيسى وأصحاب عبد الله وعليّ : بالضم .

وقرأ ناس : بضم الأول وكسر الثاني ، وناس بالعكس ، وناس بالتخيير ، والجحدري : بفتح الميم فيهما ، ونفي وطئهن عن الإنس ظاهر وأما عن الجن ، فقال مجاهد والحسن : قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن ، إذ لم يذكر الزوج الله تعالى ، فنفى هنا جميع المجامعين .

وقال ضمرة بن حبيب : الجن في الجنة لهم قاصرات الطرف من الجن نوعهم ، فنفي الافتضاض عن البشريات والجنيات .