معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

قوله تعالى : { ربنا لا تزغ قلوبنا } . أي ويقول الراسخون بالعلم ربنا لا تزغ قلوبنا : أي لا تملها عن الحق والهدى كما أزغت قلوب الذي في قلوبهم زيغ .

قوله تعالى : { بعد إذ هديتنا } . وفقتنا لدينك والإيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك .

قوله تعالى : { وهب لنا من لدنك } . أعطنا من عندك .

قوله تعالى : { رحمة } . توثيقاً وتثبيتاً للذي نحن عليه من الإيمان والهدى ، وقال الضحاك تجاوزاً ومغفرة .

قوله تعالى : { إنك أنت الوهاب } .

أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ، أنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنا أبو احمد ابن عدي الحافظ ، أنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن القاسم القرشي يعرف بابن الرواس الكبير بدمشق ، أنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني ، أنا صدقة ، أنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر ، حدثني بشر بن عبيد الله قال : سمعت أبا إدريس الخولاني يقول : حدثني النواس بن سمعان الكلابي قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإن شاء أن يزيغه أزاغه " .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك " والميزان بيد الرحمن يرفع قوماً ويضع آخرين إلى يوم القيامة .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا عبد الرحيم بن منيب ، أنا يزيد بن هارون ، أنا سعيد بن إياس الحميري ، عن غنيم بن قيس ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً لبطن " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

ثم أخبر تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يدعون ويقولون { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } أي : لا تملها عن الحق جهلا وعنادا منا ، بل اجعلنا مستقيمين هادين مهتدين ، فثبتنا على هدايتك وعافنا مما{[154]}  ابتليت به الزائغين { وهب لنا من لدنك رحمة } أي : عظيمة توفقنا بها للخيرات وتعصمنا بها من المنكرات { إنك أنت الوهاب } أي : واسع العطايا والهبات ، كثير الإحسان الذي عم جودك جميع البريات .


[154]:- في الأصل: ممن، ولعل الصواب ما أثبت.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

وبعد أن بين - سبحانه - موقف الناس من محكم القرآن ومتشابهه ، شرع في بيان ما يتضرع به المؤمنون الصادقون الذين يؤمنون بكل ما أنزله الله - تعالى - فقال : { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا . . . } .

اشتملت هاتان الآيتان على دعوات طيبات . ويرى بعض العلماء أن هذه الدعوات من مقول الراسخين في العلم ، فهم يقولون : { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } ويقولون أيضا { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } ويرى بعضهم أن هذا الكلام جديد ، وهو تعليم من الله - تعالى - لعباده ليكثروا من التضرع إليه بهذه الدعوات وأمثالها .

والزيغ - كما أشرنا في الآية السابقة - الميل عن الاستقامة ، والانحراف عن الحق ، يقال : زاغ يزيغ أي مال ومنه زاغت الشمس إذا مالت .

والمعنى : نسألك يا ربنا ونضرع إليك ألا تميل قلوبنا عن الهدى بعد إذ ثبتنا عليه ومكنتنا منه . وأن تباعد بيننا وبين الزيغ الذي لا يرضيك . وبين الضلال الذي يفسد القلوب ، ويعمى البصائر . { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً } أي وامنحنا من عندك ومن جهتك إنعاما وإحسانا تشرح بهما صدورنا . وتصلح بهما أحوالنا { إِنَّكَ أَنْتَ الوهاب } لا غيرك ، فأنت مالك الملك وأنت القائل { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد تضمنت سؤال المؤمنين ربهم تثبيت الإيمان في قلوبهم ومنحهم المزيد من فضله وإنعامه وإحسانه .

قال الفخر الرازي - ما ملخصه - : وقال - سبحانه - { رَحْمَةً } ليكون ذلك شاملا لجميع أنواعها التي تتناول حصول نور الإيمان والتوحيد والمعرفة في القلب ، وحصول الطاعة في الأعضاء والجوارح ، وحصول سهولة المعيشة والأمن والصحة والكفاية في الدينا وحصول سهولة سكرات الموت عند حضوره ، وحصول سهولة السؤال في القبر ، وغفران السيئات والفوز بالجنات في الآخرة . وقوله { لَّدُنْكَ } يتناول كل هذه الأقسام . لأنه لما ثبت بالبراهين الباهرة أنه لا رحيم إلا هو أكد ذلك بقوله " من لدنك " تنبيها للعقل والقلب والروح على أن هذا المقصود لا يحصل إلا منه - سبحانه- ثم قال : { إِنَّكَ أَنْتَ الوهاب } كأن العبد يقول : إليه هذا الذى طلبته منك في هذا الدعاء عظيم بالنسبة إلى ، حقير بالنسبة إلى كمال كرمك ، فأنت الوهاب الذى من هبتك حصلت حقائق الأشياء وذواتها وماهياتها ووجوداتها ، فكل ما سواك فمن جودك وإحسانك فلا تخيب رجاء هذا المسكين ، ولا ترد دعاءه واجعله أهلا لرحمتك " .

هذا ، وقد ساق الإمام ابن كثير وغيره بعض الأحاديث النبوية عند تفسيرهم لهذه الآية ومن ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن مردويه عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال " لا إله إلى أنت سبحانك أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك . اللهم زدني علما ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لى من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " .

وروى الترمذي عن شهر بن حوشب قال : " قلت لأم سلمة : يا أم المؤمنين ، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك ؟ قالت : كان أكثر دعائه " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فقلت : يا رسول الله ، ما أكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ؟ قال : " يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ " فتلا معاذ - أحد رجال سند هذا الحديث - { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } .

وعن أنس - رضي الله عنه - قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، قلنا : يا رسول الله قد آمنا بك ، وصدقنا بما جئت به ، أفيخاف علينا ؟ قال : نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها تبارك -وتعالى- " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

1

عندئذ تنطلق ألسنتهم وقلوبهم في دعاء خاشع وفي ابتهال منيب : أن يثبتهم على الحق ، وألا يزيغ قلوبهم بعد الهدى ، وأن يسبغ عليهم رحمته وفضله . . ويتذكرون يوم الجمع الذي لا ريب فيه ، والميعاد الذي لا خلف له :

( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا . وهب لنا من لدنك رحمة . إنك أنت الوهاب . ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه . إن الله لا يخلف الميعاد ) . .

هذا هو حال الراسخين في العلم مع ربهم ؛ وهو الحال اللائق بالإيمان ؛ المنبثق من الطمأنينة لقول الله ووعده ؛ والثقة بكلمته وعهده ؛ والمعرفة برحمته وفضله ؛ والإشفاق مع هذا من قضائه المحكم وقدره المغيب ؛ والتقوى والحساسية واليقظة التي يفرضها الإيمان على قلوب أهله ، فلا تغفل ولا تغتر ولا تنسى في ليل أو نهار . .

والقلب المؤمن يدرك قيمة الاهتداء بعد الضلال . قيمة الرؤية الواضحة بعد الغبش . قيمة الاستقامة على الدرب بعد الحيرة . قيمة الطمأنينة للحق بعد الأرجحة . قيمة التحرر من العبودية للعبيد بالعبودية لله وحده .

قيمة الاهتمامات الرفيعة الكبيرة بعد اللهو بالاهتمامات الصغيرة الحقيرة . . ويدرك أن الله منحه بالإيمان كل هذا الزاد . . ومن ثم يشفق من العودة إلى الضلال ، كما يشفق السائر في الدرب المستقيم المنير أن يعود إلى التخبط في المنعرجات المظلمة . وكما يشفق من ذاق نداوة الظلال أن يعود إلى الهجير القائظ والشواظ ! وفي بشاشة الإيمان حلاوة لا يدركها إلا من ذاق جفاف الإلحاد وشقاوته المريرة . وفي طمأنينة الإيمان حلاوة لا يدركها إلا من ذاق شقوة الشرود والضلال !

ومن ثم يتجه المؤمنون إلى ربهم بذلك الدعاء الخاشع :

( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) . .

وينادون رحمة الله التي أدركتهم مرة بالهدى بعد الضلال ، ووهبتهم هذا العطاء الذي لا يعدله عطاء :

( وهب لنا من لدنك رحمة . إنك أنت الوهاب ) . .

وهم بوحي إيمانهم يعرفون أنهم لا يقدرون على شيء إلا بفضل الله ورحمته . وأنهم لا يملكون قلوبهم فهي في يد الله . . فيتجهون إليه بالدعاء أن يمدهم بالعون والنجاة .

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان رسول الله [ ص ] كثيرا ما يدعو : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " قلت : يا رسول الله ، ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء . فقال : " ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن . إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإن شاء أن يزيغه أزاغه " . .

ومتى استشعر القلب المؤمن وقع المشيئة على هذا النحو لم يكن أمامه إلا أن يلتصق بركن الله في حرارة . وأن يتشبث بحماه في إصرار ، وأن يتجه إليه يناشده رحمته وفضله ، لاستبقاء الكنز الذي وهبه ، والعطاء الذي أولاه !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

ثم قال تعالى عنهم مخبرًا أنهم{[4800]} دعوا ربهم قائلين : { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } أي : لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم ، ودينك القويم { وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ } أي : من عندك { رَحْمَةً } تثبت بها قلوبنا ، وتجمع بها شملنا ، وتزيدنا بها إيمانًا وإيقانًا { إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }

قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأوْدِي - وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب - قالا جميعًا : حدثنا وَكِيع ، عن عبد الحميد بن بَهْرام ، عن شهر بن حَوْشَب ، عن أم سلمة ، رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " يا مُقَلِّبَ القلوب ثَبِّتْ قلبي على دينك " ثم قرأ : { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } رواه ابن مردويه من طريق محمد بن بَكَّار ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة ، وهي{[4801]} أسماء بنت يزيد{[4802]} بن السكن ، سمعها تحد ث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه : " اللهم مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك " قالت : قلت : يا رسول الله ، وإن القلب ليتقلب{[4803]} ؟ قال : " نعم ، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع الله عز وجل ، فإن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه " . فنسأل الله ربنا ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة ، إنه هو الوهاب .

وهكذا رواه ابن جرير من حديث أسد بن موسى ، عن عبد الحميد بن بهرام ، به مثله . ورواه أيضًا عن المثنى ، عن الحجاج بن مِنْهَال ، عن عبد الحميد بن بهرام ، به مثله ، وزاد : " قلت{[4804]} يا رسول الله ، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي ؟ قال : " بلى قولي : اللهم رب النبي محمد ، اغفر لي ذنبي ، وأذهب غَيْظ قلبي ، وأجِرْنِي من مُضِلاتِ الفتن " {[4805]} .

ثم قال ابن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا محمد بن هارون بن بكار الدمشقي ، أخبرنا العباس بن الوليد الخلال ، أخبرنا يزيد بن يحيى بن عبيد الله ، أخبرنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أبي حسان الأعرج{[4806]} عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يدعو : " يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك " ، قلت : يا رسول الله ، ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء . فقال : " ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه ، أما تسمعين قوله : { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } . غريب من هذا الوجه ، ولكن أصله ثابت في الصحيحين ، وغيرهما من طرق كثيرة بدون زيادة ذكر هذه الآية الكريمة .

وقد روى أبو داود والنسائي وابن مردويه ، من حديث أبي عبد الرحمن المقري - زاد النسائي وابن حبان : وعبد الله بن وهب ، كلاهما عن سعيد بن أبي أيوب حدّثني عبد الله بن الوليد التُّجيبي ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال : " لا إله إلا أنت سبحانك ، اللهم إني أستغفرك لذنبي ، وأسألك رحمة ، اللهم زدني علمًا ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " لفظ ابن مردويه{[4807]} .

وقال عبد الرزاق ، عن مالك ، عن أبي عبيد - مولى سليمان بن عبد الملك - عن عبادة بن نُسَيّ ، أنه أخبره ، أنه سمع قيس بن الحارث يقول : أخبرني أبو عبد الله الصُنَابِحي ، أنه صلى وراء أبي بكر الصديق المغرب ، فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين{[4808]} بأم القرآن وسورتين من قصار المفصل ، وقرأ في الركعة الثالثة ، قال : فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه ، فسمعته يقرأ{[4809]} بأم القرآن وهذه الآية : { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [ وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ]{[4810]} {[4811]} } . لا

قال أبو عبيد : وأخبرني عُبَادة بن نُسَيّ : أنه كان عند عمر بن عبد العزيز في خلافته ، فقال عمر لقيس : كيف أخبرتني عن أبي عبد الله الصنابحي فأخبره بما سمع أبا عبد الله ثانيا . قال عمر : فما تركناها منذ سمعناها منه ، وإن كنت{[4812]} قبل ذلك لَعَلَى غير ذلك . فقال له رجل : على أي شيء كان أمير المؤمنين قبل ذلك ؟ قال : كنت أقرأ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] وقد روى هذا الأثر الوليد بن مسلم ، عن مالك والأوزاعي ، كلاهما عن أبي عبيد ، به . ورواه الوليد أيضًا ، عن ابن جابر ، عن يحيى بن يحيى الغساني ، عن محمود بن لبيد ، عن الصُّنَابِحي : أنه صلى خلف أبي بكر ، رضي الله عنه ، المغرب فقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة قصيرة ، يجهر بالقراءة ، فلما قام إلى الثالثة ابتدأ القراءة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتمس ثيابه ، فقرأ هذه الآية : { رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا [ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ] {[4813]} } .


[4800]:في جـ، ر: "عنهم".
[4801]:في و: "عن".
[4802]:في أ: "زيد".
[4803]:في و: "ليقلب".
[4804]:في أ، و: "وزاد: "قالت: قلت".
[4805]:ابن أبي حاتم في تفسيره (2/84) والطبري في تفسيره (6/213) ورواه أحمد في المسند (6/315) والترمذي في السنن (3522) وابن أبي عاصم في السنة برقم (223) من طريق أبي كعب صاحب الحرير عن شهر بن حوشب به. وللحديث شواهد عن عائشة وأنس وجابر والنواس بن سمعان رضي الله عنهم.
[4806]:في هـ، جـ، ر، أ: "عن حسان الأعرج".
[4807]:أبو داود في السنن برقم (5061) والنسائي في الكبرى برقم (10701).
[4808]:في ر: "الأولتين".
[4809]:في و: "يقرأ أي في الثالثة".
[4810]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[4811]:رواه مالك في الموطأ (1/79).
[4812]:في أ: "كعب".
[4813]:زيادة من جـ، ، أ، و، وفي هـ: "الآية".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

{ ربنا لا تزغ قلوبنا } من مقال الراسخين . وقيل : استئناف والمعنى لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه ، قال صلى الله عليه وسلم " قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ، إن شاء أقامه على الحق وإن شاء أزاغه عنه " . وقيل : لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا . { بعد إذ هديتنا } إلى الحق والإيمان بالقسمين . من المحكم والمتشابه ، وبعد نصب على الظرف ، وإذ في موضع الجر بإضافته إليه . وقيل إنه بمعنى إن { وهب لنا من لدنك رحمة } تزلفنا إليك ونفوز بها عندك ، أو توفيقا للثبات على الحق أو مغفرة للذنوب . { إنك أنت الوهاب } لكل سؤال ، وفيه دليل على أن الهدى والضلال من الله وأنه متفضل بما ينعم على عباده لا يجب عليه شيء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

يحتمل أن تكون هذه الآية حكاية عن الراسخين في العلم ، أنهم يقولون هذا مع قولهم { آمنا به } [ آل عمران : 7 ] ويحتمل أن يكون المعنى منقطعاً من الأول لما ذكر أهل الزيغ وذكر نقيضهم ، وظهر{[2973]} ما بين الحالتين عقب ذلك بأن علم عبادة الدعاء إليه في أن لا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذكرت وهي أهل الزيغ ، وهذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم ، إن الله لا يضل العباد ، ولو لم تكن الإزاغة من قبله لما جاز أن يدعي في دفع ما لا يجوز عليه فعله{[2974]} و { تزغ } معناه ، تمل قلوبنا عن الهدى والحق ، وقرأ أبو واقد ، والجراح{[2975]} «ولا تزغ قلوبُنا » بإسناد الفعل إلى القلوب ، وهذه أيضاً رغبة إلى الله تعالى . وقال أبو الفتح{[2976]} : ظاهر هذا ونحوه الرغبة إلى القلوب وإنما المسؤول الله تعالى ، وقوله الرغبة إلى القلوب غير متمكن{[2977]} ، ومعنى الآية على القراءتين ، أن لا يكن منك خلق الزيغ فيها فتزيغ هي . قال الزجاج : وقيل : إن معنى الآية لا تكلفنا عبادة ثقيلة تزيغ منها قلوبنا .

قال الفقيه الإمام : وهذا قول فيه التحفظ من خلق الله تعالى الزيغ والضلالة في قلب أحد من العباد ، و { من لدنك } معناه : من عندك ومن قبلك ، أن تكون تفضلاً لا عن سبب منا ولا عمل ، وفي هذا استسلام وتطارح ، والمراد هب لنا نعيماً صادراً عن الرحمة لأن الرحمة راجعة إلى صفات الذات فلا تتصور فيها الهبة .


[2973]:- في بعض النسخ: وذكر.
[2974]:- أول الزمخشري الآية فقال في معنى قوله تعالى: {لا تزغ قلوبنا}: أي لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا؛ أما أهل السنة فيرون أن كل هدى وزيغ مخلوق لله تعالى. وتفسير ابن عطية للآية يدل على أنه بعيد كل البعد عن الاعتزال.
[2975]:- لعله ابن واقد أبو مسلم (عبد الرحمن بن عبيد الله بن واقد) مقرئ معروف، أخذ القراءة عن حمزة بن القاسم الأحول والصباح بن دينار. (انظر ابن الجزري، غاية النهاية 1/381)؛ أما الجراح فلم أعثر عليه فيما لدي من مراجع؛ وفي تفسير القرطبي: وقرأ واقد الجراح (دون واو عطف).
[2976]:- هو عثمان بن جني اللغوي المشهور.
[2977]:- ما بين معقفين سقط من أكثر النسخ.