قوله تعالى : { فقالوا أبشراً } آدمياً ، { منا واحداً نتبعه } ونحن جماعة كثيرة وهو واحد ، { إنا إذاً لفي ضلال } خطأ وذهاب عن الصواب ، { وسعر } قال ابن عباس : عذاب . وقال الحسن : شدة عذاب . وقال قتادة : عناء ، يقولون : إنا لفي عناء وعذاب مما يلزمنا من طاعته . قال سفيان بن عيينة : هو جمع سعير . وقال الفراء : جنون ، يقال ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هائمة على وجهها . وقال وهب : وسعر : أي : بعد عن الحق .
فكذبوه واستكبروا عليه ، وقالوا -كبرا وتيها- : { أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ } أي : كيف نتبع بشرا ، لا ملكا منا ، لا من غيرنا ، ممن هو أكبر عند الناس منا ، ومع ذلك فهو شخص واحد { إِنَّا إِذًا } أي : إن اتبعناه وهو بهذه الحال { لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ } أي : إنا لضالون أشقياء ، وهذا الكلام من ضلالهم وشقائهم ، فإنهم أنفوا أن يتبعوا رسولا من البشر ، ولم يأنفوا أن يكونوا عابدين للشجر والحجر والصور .
ثم حكى - سبحانه - مظاهر تكذيبهم فقال : { فقالوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ . . . } .
و " بشرا " منصوب على المفعولية بالفعل " نتبعه " على طريقة الاشتغال ، وقدم لاتصاله بهمزة الاستفهام ، لأن حقها التصدير ، والاستفهام للإنكار ، وواحدا صفة لقوله { أَبَشَراً } . أى : أن قوم صالح - عليه السلام - حين جاءهم برسالته التى تدعوهم إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - ، أنكروا ذلك ، وقالوا : أنتبع واحدا من البشر جاءنا بهذا الكلام الذى يخالف ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا ؟
{ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } أى : إنا إذا لو اتبعناه لصرنا فى ضلال عظيم ، وفى { سُعُرٍ } أى وفى جنون واضح ، ومنه قولهم : ناقة مسعورة ، إذا كانت لا تستقر على حال ، وتفرط فى سيرها كالمجنونة .
أو المعنى : إنا لو اتبعناه لكنا فى ضلال ، وفى نيران عظيمة . فالسعر بمعنى النار المسعرة ،
( فقالوا : أبشرا منا واحدا نتبعه ? إنا إذن لفي ضلال وسعر . أألقي الذكر عليه من بيننا ? بل هو كذاب أشر . . )
وهي الشبهة المكرورة التي تحيك في صدور المكذبين جيلا بعد جيل : ( أألقي الذكر عليه من بيننا )? كما أنها هي الكبرياء الجوفاء التي لا تنظر إلى حقيقة الدعوة ، إنما تنظر إلى شخص الداعية : ( أبشرا منا واحدا نتبعه ? ) !
وماذا في أن يختار الله واحدا من عباده . . والله أعلم حيث يجعل رسالته . . فيلقي عليه الذكر - أي الوحي وما يحمله من توجيهات للتذكر والتدبر - ماذا في هذا الاختيار لعبد من عباده يعلم منه تهيؤه واستعداده . وهو خالق الخلق . وهو منزل الذكر ? إنها شبهة واهية لا تقوم إلا في النفوس المنحرفة . النفوس التي لا تريد أن تنظر في الدعوى لترى مقدار ما فيها من الحق والصدق ؛ ولكن إلى الداعية فتستكبر عن اتباع فرد من البشر ، مخافة أن يكون في اتباعها له إيثار وله تعظيم . وهي تستكبر عن الإذعان والتسليم .
ومن ثم يقولون لأنفسهم : أبشرا منا واحدا نتبعه ? إنا إذا لفي ضلال وسعر . . أي لو وقع منا هذا الأمر المستنكر ! وأعجب شيء أن يصفوا أنفسهم بالضلال لو اتبعوا الهدى ! وأن يحسبوا أنفسهم في سعر - لا في سعير واحد - إذا هم فاءوا إلى ظلال الإيمان !
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه} يعنون صالحا {إنا إذا لفي ضلال وسعر} يعني لفي شقاء وعناء إن تبعنا صالحا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"إنّا إذا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ "يقول: قالوا: إنا إذا باتباعنا صالحا إن اتبعناه وهو بشر منا واحد "لفي ضلال": يعنون: لفي ذهاب عن الصواب وأخذ على غير استقامة "وسُعُر": يعنون بالسّعُر: جمع سَعير.
وكان قتادة يقول: عنى بالسّعُر: العناء... في عناء وعذاب.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{قالوا أَبَشرًا منا واحدا نتّبعه} لم يزل الأكابر من الكفرة والرؤساء منهم يُلبِسون على أتباعهم بهذا الحرف {أَبشرًا منا واحدا نتّبعه} وقالوا: {ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه [ويشرب مما تشربون}] {ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذن لخاسرون} [المؤمنون: 33 و34] ونحو ذلك. وذلك تناقض في القول لأنهم كانوا ينهَون أتباعهم عن اتّباع بشر مثلهم، ويدعونهم إلى اتباع آبائهم والاقتداء بهم، وهم أيضا بشر، وليس مع آبائهم حُجج وبراهين، ومع الرسل حجج وآيات، فيكون تناقضا في القول ومعارضة فاسدة، والله الموفّق... {إنا إذا لفي ضلال وسُعُرٍ} قال بعضهم: السُّعُر: الجنون، أي لو اتّبعنا بشرا كما لوكنا في ضلال وجنون، وهو من سعر النار إذا التهبت؛ يقال: ناقة مسعورة أي كأنها مجنونة من النشاط...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
كان يقول: إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق، وسعر: ونيران، جمع سعير، فعكسوا عليه فقالوا: إن اتبعناك كنا إذن كما تقول. وقالوا: {واحدا} إنكاراً لأن تتبع الأمّة رجلاً واحداً. أو أرادوا واحداً من أفنائهم ليس بأشرفهم وأفضلهم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{أبشر منا واحد} بالرفع فيهما. وهذه المقالة من ثمود حسد منهم واستبعاد منهم أن يكون نوع المبشر يفضل بعضه بعضاً هذا الفضل فقالوا: أنكون جمعاً ونتبع واحداً، ولم يعلموا أن الفضل بيد الله، يؤتيه من يشاء، ويفيض نور الهدى من رضيه. وقوله: {في ضلال} معناه: في أمر متلف مهلك بالإتلاف، {وسعر} معناه: في احتراق أنفس واستعارها حنقاً وهماً باتباعه.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يقولون: لقد خبنا وخسرنا إن سلمنا كُلّنا قيادنا لواحد منا!
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(فقالوا: أبشرا منا واحدا نتبعه؟ إنا إذن لفي ضلال وسعر. أألقي الذكر عليه من بيننا؟ بل هو كذاب أشر. وهي الشبهة المكرورة التي تحيك في صدور المكذبين جيلا بعد جيل: (أألقي الذكر عليه من بيننا)؟ كما أنها هي الكبرياء الجوفاء التي لا تنظر إلى حقيقة الدعوة، إنما تنظر إلى شخص الداعية: (أبشرا منا واحدا نتبعه؟)! وماذا في أن يختار الله واحدا من عباده.. والله أعلم حيث يجعل رسالته. فيلقي عليه الذكر -أي الوحي وما يحمله من توجيهات للتذكر والتدبر- ماذا في هذا الاختيار لعبد من عباده يعلم منه تهيؤه واستعداده. وهو خالق الخلق. وهو منزل الذكر؟ إنها شبهة واهية لا تقوم إلا في النفوس المنحرفة. النفوس التي لا تريد أن تنظر في الدعوى لترى مقدار ما فيها من الحق والصدق؛ ولكن إلى الداعية...
ومن ثم يقولون لأنفسهم: أبشرا منا واحدا نتبعه؟ إنا إذا لفي ضلال وسعر.. أي لو وقع منا هذا الأمر المستنكر! وأعجب شيء أن يصفوا أنفسهم بالضلال لو اتبعوا الهدى! وأن يحسبوا أنفسهم في سعر -لا في سعير واحد- إذا هم فاءوا إلى ظلال الإيمان!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمعنى: أن صالحاً جاءهم بالإِنذارات فجحدوا بها وكانت شبهتهم في التكذيب ما أعرب عنه قولهم: {أبشراً منا واحداً نتبعه} إلى آخره، فهذا القول يقتضي كونه جواباً عن دعوة وإنذار، وإنما فُصّل تكذيب ثمود وأجمل تكذيب عاد لقصد بيان المشابهة بين تكذيبهم ثمود وتكذيب قريش إذ تشابهت أقوالهم. ووصف {بشراً} ب {واحداً}: إما بمعنى أنه منفرد في دعوته لا أتباع له ولا نصراء، أي ليس ممن يخشى، أي بعكس قول أهل مدين {ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز} [هود: 91].وإما بمعنى أنه من جملة آحاد الناس، أي ليس من أفضلنا. وإما بمعنى أنه منفرد في ادعاء الرسالة لا سلف له فيها
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
نعم، إنّ الكبرياء والغرور والنظرة المتعالية تجاه الآخرين، بالإضافة إلى حبّ الذات كانت حاجزاً عن الاستجابة لدعوة الأنبياء (عليهم السلام)، لقد قالوا: إنّ (صالح) شخص مثلنا وليست له أيّ امتيازات علينا ليصبح زعيماً وقائداً نطيعه ونتّبعه، كما لا يوجد سبب لإتّباعه. وهذا هو الإشكال الذي تورده جميع الأقوام الضالّة على أنبيائها بأنّهم أشخاص مثلنا، ولذا لا يمكن أن يكونوا أنبياء إلهيين.