الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٗا مِّنَّا وَٰحِدٗا نَّتَّبِعُهُۥٓ إِنَّآ إِذٗا لَّفِي ضَلَٰلٖ وَسُعُرٍ} (24)

قوله : { أَبَشَراً } : منصوبٌ على الاشتغالِ ، وهو الراجحُ ، لتقدُّم أداةٍ هي بالفعل أَوْلَى ، " ومِنَّا " نعتٌ له . و " واحداً " فيه وجهان ، أظهرهما : أنه نعتٌ ل " بَشَراً " إلاَّ أنه يُشْكِلُ عليه تقديمُ الصفةِ المؤولة على الصريحة . ويُجاب : بأنَّ " مِنَّا " حينئذ ليس وَصْفاً بل حالٌ من " واحداً " قُدِّمَ عليه . والثاني : أنه نصبٌ على الحالِ من هاء " نَتَّبِعُه " وهو تخلُّصٌ من الإِعرابِ المتقدِّم . إلاَّ أنَّ المُرجِّحَ لكونه صفةً قراءتهما مرفوعَيْنِ : أبَشرٌ مِنا واحد نَتَّبِعُهُ على ما سيأتي فهذا يُرَجِّحُ كونَ/ " واحداً " نعتاً ل " بشراً " لا حالاً . وقرأ أبو السَّمَّال فيما نقل الهذلِيُّ والدانيُّ برفعِهما على الابتداء ، و " واحدٌ " صفتُه " ونَتَّبعهُ " خبرُه . وقرأ أبو السَّمَّال أيضاً ، فيما نَقَل ابن خالويه وأبو الفضل وابن عطية برفع " بَشَرٌ " ونصب " واحداً " وفيه أوجهٌ ، أحدُها : أن يكونَ " أبَشَرٌ " مبتدأًً ، وخبرُه مضمر ، تقديره : أَبَشَرٌ منا ، يُبْعَثُ إلينا أو يُرْسَلُ . وأمَّا انتصابُ " واحداً " ففيه وجهان ، أحدهما : أنَّه حالٌ من هاء بالابتداءِ أيضاً ، والخبر " نَتَّبِعُه " و " واحداً " حالٌ على الوجهَيْن المذكورَين آنفاً . الثالث : أنه مرفوعٌ بفعلٍ مضمر مبني للمفعول تقديره : أيُنَبَّأُ بَشَرٌ و " مِنَّا " نعتٌ و " واحداً " حالٌ أيضاً على الوجهَيْن المذكورَيْن آنفاً . وإليه ذهبَ ابنُ عطية .

قوله : { وَسُعُرٍ } يجوزُ أن يكون مفرداً ، أي : جنون . يقال : ناقةٌ مَسْعُورة ، أي : كالمجنونة في سَيْرها . قال الشاعر :

كأنَّ بها سُعْراً إذا العِيْسُ هَزَّها *** ذَمِيْلٌ وإرْخاءٌ من السير متعبُ

وأَنْ يكونَ جمعَ سَعير ، وهو النار ، والاحتمالان منقولان .