قوله : «أبَشَراً » منصوب على الاشتغال وهو الراجح ، لتقدم أداة{[54062]} هي بالفعل أولى . و«مِنَّا » نعت له . و«وَاحِداً » فيه وجهان :
أظهرهما : أنه نعت «لِبَشَراً » إلا أنه يشكل عليه تقديم الصفة المؤولة{[54063]} على الصريحة{[54064]} . ويجاب : بأن «مِنَّا » حينئذ ليس وصفاً بل حال من «وَاحِداً » قُدِّمَ عليه .
والثاني : أنه نصب على الحال من هاء «نَتَّبِعُهُ »{[54065]} . وهو يَخْلُصُ من الإعراب المتقدم ، إِلا أنَّ المرجع لكونه صفة قراءتهما مرفوعين : { أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ } على ما سيأتي ، فهذا يرجّح كون «واحداً » نعتاً «لبَشَرٍ » لا حالاً .
وقرأ أبُو السَّمَّال فيما نقل الهُذَلِيُّ{[54066]} والدَّانِيّ{[54067]} برفعهما{[54068]} على الابتداء ، و«وَاحِدٌ » صفته و«نَتَّبِعُهُ » خبره{[54069]} .
وقرأ أبو السَّمَّال أيضاً فيما نقل ابن خالويه{[54070]} ، وأبو الفضل وابن عطية{[54071]} : برفع «بشر » ونصب «واحداً » وفيه أوجه :
أحدها : أن يكون «أَبَشَرٌ » مبتدأ وخبره مضمر تقديره : أَبَشَرٌ منا يُبْعَثُ إِلينا أو يُرْسَل . وأما انتصاب «واحداً » ففيه وجهان :
أحدهما : أنه حال من الضمير المستتر في ( مِنَّا ) لأنه وقع نعتاً .
الثاني : أنه حال من هاء «نَتَّبِعُهُ »{[54072]} . وهذا كله تخريج أبِي الفضل الرَّازيِّ{[54073]} .
والثاني : أنه مرفوع بالابتداء أيضاً ، والخبر «نَتَّبِعُهُ » و«واحداً » حال على الوجهين المذكورين آنفاً .
الثالث : أنه مرفوع بفعل مضمر مبني للمفعول تقديره : أَيُنَبَّأُ بَشرٌ ، و( مِنَّا ) نعت و( واحداً ) حال أيضاً على الوجهين المذكورين آنفاً . وإليه ذهب ابن عطية{[54074]} .
قال ابن الخطيب : والحكمة في تأخير الفعل في الظاهر أن البليغ يُقَدِّمُ في الكلام ما يكون تعلق غرضه به أكثر والقوم كانوا يريدون بيان كونهم محقِّين في ترك الاتّباع ، فلو قالوا : أَنَتَّبِعُ بَشَراً أمكن أن يقال : نعم اتَّبِعُوهُ ، وماذا يمنعكم من اتباعه ؟ فإذا قدمنا حاله وقالوا : هو من نوعنا بشر من صِفَتِنَا{[54075]} رجل ليس غريباً نعتقد فيه أنه يَعْلَمُ ما لا نَعْلَمُ أو يَقْدِرُ على ما لا نَقْدِرُ وهو واحد وليس له جندٌ ولا حَشَمٌ ولا خَدَمٌ ولا خيلٌ وهو وحيد ونحن جماعة فكيف نتبعه ؟ ! فيكونون قد قدموا الموجب لجواز الامتناع عن اتباعه . وفي الآية إشاراتٌ إلى ذلك ، منها تنكيره حيث قالوا : أَبَشَراً ، ولم يقولوا : أَرَجُلاً ، ومنها : قولهم : مِنَّا وهو يحتمل أمرين :
أحدهما : من صنفنا ليس غريباً .
والثاني : «مِنَّا » أي تَبَعنَا ؛ لأن «مِنْ » للتبعيض والبعض يتبع الكل ، لا الكل يتبع البعض .
ومنها قولهم : «واحداً » ، وهو يحتمل أمرين أيضاً :
أحدهما : وحيداً إشارةً إلى ضعفه .
وثانيهما : واحداً أي هو من آحاد النَّاس أي هو ممَّنْ ليس بمشهور بحَسَبٍ ولا نَسَبٍ ، إذا حَدَّث لا يُعْرَفُ ولا يمكن أن يقال عنه : قَال فلانٌ ، بل يقال : قال واحدٌ ، وذلك غاية الخُمول ، أو لأن الأرذَلَ لا يَنْضَمُّ إليه أحد{[54076]} .
قوله : { إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلاَلٍ } خَطَأٍ ، وذهاب عن الصواب «وَسُعُرٍ » ( قال ابن عباس{[54077]} : عذاب . وقال الحسن : شدة العذاب . وقال قتادةً : عَنَاء ) . «وسُعُر » يجوز أن يكون مفرداً أي جُنُون يقال : نَاقَةٌ مَسْعُورَةٌ أي كالمجنونة في سيرها ، قال الشاعر ( - رحمةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - ){[54078]} :
كَأَنَّ بِهَا سُعْراً إذَا السُّعْرُ هَزَّهَا *** ذَمِيلٌ وَإِرْخَاءٌ مِنَ السَّيْرِ مُتْعِبُ{[54079]}
وأن يكون جمع «سَعِيرٍ » وهو النار . قاله سفيان بن عُيَيْنة . والاحتمالان منقولان عنه .
والمعنى : إِنَّا إذَنْ لَفِي عَنَاءٍ وعذاب مما يلزمنا مِنْ طاعته . وقال وَهْبٌ : معناه : بُعْدٌ عن الحَقِّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.