معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

قوله تعالى : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } ، يقول الله تعالى : إذا أردنا أن نبعث الموتى فلا تعب علينا في إحيائهم ، ولا في شيء مما يحدث ، إنما نقول له : كن ، فيكون .

أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ، أنبانا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنبانا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه ، حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله : كذبني ابن آدم ، ولم يكن ذلك له ، وشتمني عبدي ولم يكن ذلك له ، فأما تكذيبه إياي أن يقول : لن يعيدنا كما بدأنا ، وأما شتمه إياي أن يقول : اتخذ الله ولداً ، وأنا الصمد ، لم ألد ، ولم أولد ، ولم يكن لي كفواً أحد " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

وليس ذلك على الله بصعب ، ولا شديد فإنه إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون ، من غير منازعة ولا امتناع ، بل يكون على طبق ما أراده وشاءه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

وقوله - سبحانه - { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } استئناف لتأكيد قدرة الله - تعالى - النافذة ، وشمولها لكل شئ من بعث وغيره ، وذلك لأن الكفار لما أقسموا بالله جهد أيمانهم بأنه - سبحانه - لا يبعث الموتى ، ورد عليهم بما يبطل مزاعمهم ، أتبع ذلك ببيان أن قدرته - تعالى - لا يتعاصى عليها شئ ، ولا يحول دون نفاذها حائل .

قال الإِمام ابن كثير : " أخبر - سبحانه - عن قدرته على ما يشاء ، وأنه لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء ، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له { كن فيكون } . والمراد من ذلك إذا أراد كونه ، فإنما يأمر به مرة واحدة فيكون كما يشاء ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

22

والأمر بعد ذلك هين : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له : كن . فيكون ) . .

والبعث شيء من هذه الأشياء يتم حالما تتوجه إليه الإرادة دون إبطاء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

ثم أخبر تعالى عن قدرته{[16444]} على ما يشاء ، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وإنما أمره إذا{[16445]} أراد شيئًا أن يقول له : " كن " ، فيكون ، والمعاد من ذلك إذا أراد كونه فإنما يأمر به مرة واحدة ، فيكون كما يشاء ، كما قال{[16446]} { وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } [ القمر : 50 ] وقال : { مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : { إِنَّمَا قَوْلُنَا{[16447]} لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ النحل : 40 ] ، أي : أن يأمر به دفعة{[16448]} واحدة فإذا هو كائن ،

كما قال الشاعر{[16449]} :

إذا ما أراد الله أمرًا فإنما *** يقول له : " كن " ، قولة فيكون

أي : أنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به ، فإنه تعالى لا يمانع ولا يخالف ، لأنه [ هو ]{[16450]} الواحد القهار العظيم ، الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء ، فلا إله إلا هو ولا رب سواه .

وقال ابن أبي حاتم : ذكر{[16451]} الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيْج ، أخبرني عطاء : أنه سمع أبا هريرة يقول : قال الله تعالى : سَبَّني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يسبني ، وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني ، فأما تكذيبه إياي فقال : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ } قال : وقلت : { بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } وأما سبه إياي فقال : { إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ } [ المائدة : 73 ] ، وقلت : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ سورة الإخلاص ]{[16452]} .

هكذا{[16453]} ذكره موقوفا ، وهو في الصحيحين مرفوعا ، بلفظ آخر{[16454]} .


[16444]:في ت: "عن قدرة".
[16445]:في ف: "وأنه إذا".
[16446]:في ف، أ: "وقال".
[16447]:في ت: "أمرنا" وهو خطأ.
[16448]:في أ: "مرة".
[16449]:مضى البيت عند تفسير الآية: 117 من سورة البقرة.
[16450]:زيادة من ت، ف، أ.
[16451]:في ت: "ذكره".
[16452]:ورواه الطبري في تفسيره (14/73) من طريق حجاج به موقوفا.
[16453]:في ت: "هذا".
[16454]:صحيح البخاري برقم (4974) ولفظه: "قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوا أحد".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

القول في تأويل قوله تعالى { إِنّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَالّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوّئَنّهُمْ فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَلأجْرُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائناهم ، ولا في غير ذلك مما نخلق ونكوّن ونحدث لأنا إذا أردنا خلقه وإنشاءه فإنما نقول له كن فيكون ، لا معاناة فيه ولا كُلفة علينا .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : «يكون » فقرأه أكثر قرّاء الحجاز والعراق على الابتداء ، وعلى أن قوله : إنّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ كلام تامّ مكتف بنفسه عما بعده ، ثم يبتدأ فيقال : «فيكونُ » ، كما قال الشاعر :

*** يُريدُ أنْ يُعْرِبَهُ فيعجِمُهْ ***

وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الشام وبعض المتأخرين من قرّاء الكوفيين : «فَيَكُونَ » نصبا ، عطفا على قوله : أنْ نَقُولَ لَهُ . وكأن معنى الكلام على مذهبهم : ما قولنا لشيء إذا أردناه إلاّ أن نقول له : كن ، فيكون . وقد حُكي عن العرب سماعا : أريد أن آتيك فيَمْنَعَني المطر ، عطفا ب «يَمْنَعَني » على «آتيك » .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

وقوله { إنما قولنا } الآية ، «إنما » في كلام العرب هي للمبالغة وتحقيق تخصيص المذكور ، فقد تكون مع هذا حاصرة إذا دل على ذلك المعنى ، كقوله تعالى { إنما الله إله واحد }{[7302]} [ النساء : 171 ] وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم «إنما الربا في النسيئة »{[7303]} وقول العرب : إنما الشجاع عنترة ، فبقي فيها معنى المبالغة فقط ، و { إنما } في هذه الآية هي للحصر ، وقاعدة القول في هذه الآية أن تقول ، إن الإرادة والأمر اللذين هما صفتان من صفات الله تعالى القديمة ، هما قديمان أزليان ، وإن ما في ألفاظ هذه الآية من معنى الاستقبال والاستئناف إنما هو راجع إلى المراد ، لا إلى الإرادة ، وذلك أن الأشياء المرادة المكونة في وجودها استئناف واستقبال لا في إرادة ذلك ولا في الأمر به ، لأن ذينك قديمان ، فمن أجل المراد عبر ب { إذا } وب { نقول } ، ويرجع الآن على هذه الألفاظ فتوضح الوجه فيها واحدة واحدة ، أما قوله { لشيء } فيحتمل وجهين : أحدهما أن الأشياء التي هي مرادة وقيل لها { كن } ، معلوم أن للوجود يأتي على جميعها بطول الزمن وتقدير الله تعالى ، فلما كان وجودها حتماً جاز أن تسمى أشياء وهي في حالة عدم ، والوجه الثاني أن يكون قوله { لشيء } تنبيهاً لنا على الأمثلة التي تنظر فيها ، أي إن كل ما تأخذونه من الأشياء الموجودة فإنما سبيله أن يكون مراداً وقيل له { كن } فكان ، ويكون ذلك الشيء المأخوذ من الموجودات مثالاً لما يتأخر من الأمور وما تقدم وفني ، فبهذا يتخلص من تسمية المعدوم شيئاً ، وقوله { أردناه } منزل منزلة مراد ، ولكنه أتى بهذه الألفاظ المستأنفة بحسب أن الموجودات تجيء وتظهر شيئاً بعد شيء ، فكأنه قال إذا ظهر للمراد منه ، وعلى هذا الوجه يخرج قوله تعالى : { فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون }{[7304]} [ التوبة : 105 ] ، وقوله تعالى : { وليعلم اللهُ الذين آمنوا }{[7305]} [ آل عمران : 140 ] ونحو هذا مما معناه ، ويقع منكم ما رآه الله تعالى في الأزل وعلمه ، وقوله { أن نقول } منزل منزلة المصدر ، كأنه قال قولنا ، ولكن { أن } مع الفعل تعطي استئنافاً ليس في المصدر في أغلب أمرها ، وقد تجيء في مواضع لا يلحظ فيها الزمن كهذه الآية ، وكقوله تعالى { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره }{[7306]} [ الروم : 25 ] وغير ذلك ، وذهب أكثر الناس إلى أن الشيء هو الذي يقال له ، كالمخاطب ، وكأن الله تعالى قال في الأزل لجميع ما خلق : { كن } بشرط الوقت والصفة ، وقال الزجاج { له } بمعنى من أجله ، وهذا يمكن أن يرد بالمعنى إلى الأول ، وذهب قوم إلى أن قوله { أن نقول } مجاز ، كما تقول قال برأسه فرفعه وقال بيده فضرب فلاناً ، ورد على هذا المنزع أبو منصور ، وذهب إلى أن الأولى هو الأولى ، وقرأ الجمهور «فيكونُ » برفع النون ، وقرأ ابن عامر والكسائي هنا وفي يس{[7307]} ، «فيكونَ » بنصبها ، وهي قراءة ابن محيصن{[7308]} .

قال القاضي أبو محمد : والأول أبعد من التعقيب الذي يصحب الفاء في أغلب حالها فتأمله ، وفي هذه النبذة ما يطلع منه على عيون هذه المسألة ، وشرط الإيجاز منع من بسط الاعتراضات والانفصالات ، والمقصود بهذه الآية إعلام منكري البعث بهوان أمره على الله وقربه في قدرته لا رب غيره .


[7302]:من قوله تعالى في الآية (171) من سورة (النساء): {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد}.
[7303]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والنسائي، وابن ماجه ـ عن أسامة بن زيد، ورمز له الإمام السيوطي في "الجامع الصغير" بالصحة.
[7304]:من الآية (105) من سورة (التوبة).
[7305]:من الآية (140) من سورة (آل عمران).
[7306]:من الآية (25) من سورة (الروم).
[7307]:من قوله تعالى في الآية (82): {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}.
[7308]:قال القرطبي: في الآية دليل على أن القرآن غير مخلوق، لأنه لو كان قوله: (كن) مخلوقا لاحتاج إلى قول ثان، و الثاني إلى ثالث وتسلسل، و كان محالا، وفيها دليل على أن الله سبحانه مريد لجميع الحوادث كلها خيرها وشرها نفعها وضرها، والدليل على ذلك أن من يرى في سلطانه ما يكرهه و لا يريده فلأحد شيئين: إما لكونه جاهلا لا يدري، وإما لكونه مغلوبا لا يطيق، ولا يجوز ذلك في وصفه سبحانه، وقد قام الدليل على أنه خالق لاكتساب العباد، ويستحيل أن يكون فاعلا لشيء وهو غير مريد له، لأن أكثر أفعالنا يحصل على خلاف مقصودنا وإرادتنا، فلو لم يكن الحق سبحانه مريدا لها لكانت تحصل من غير قصد، و هو قول الطبيعيين، وهو فاسد.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

هذه الجملة متّصلة بجملة { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [ سورة النحل : 38 ] لبيان أنّ جهلهم بمَدى قدرة الله تعالى هو الذي جرّأهم على إنكار البعث واستحالته عندهم ، فهي بيان للجملة التي قبلها ولذلك فُصلت ، ووقعتْ جملة { ليبين لهم الذين يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا } [ سورة النحل : 39 ] إلى آخرها اعتراضاً بين البيان والمبيّن .

والمعنى أنه لا يتوقف تكوين شيء إذا أراده الله إلا على أن تتعلّق قدرته بتكوينه . وليس إحياء الأموات إلا من جملة الأشياء ، وما البعث إلا تكوين ، فما بَعْث الأموات إلا من جملة تكوين الموجودات ، فلا يخرج عن قدرته .

وأفادت { إنّما } قصراً هو قصر وقوع التّكوين على صدور الأمر به ، وهو قصر قلب لإبطال اعتقاد المشركين تعذّر إحياء الموتى ظنّاً منهم أنّه لا يحصل إلا إذا سلمت الأجساد من الفساد كما تقدم آنفاً ، فأريد ب { قولنا لشيء } تكوينُنا شيئاً ، أي تعلّق القدرة بخلق شيء . وأريد بقوله : { إذا أردناه } إذا تعلّقت به الإرادة الإلهية تعلّقاً تنجيزياً ، فإذا كان سبب التكوين ليس زائداً على قول { كن } فقد بطل تعذّر إحياء الموتى . ولذلك كان هذا قصر قلب لإبطال اعتقاد المشركين .

والشيء : أطلق هنا على المعدوم باعتبار إرادة وجوده ، فهو من إطلاق اسم ما يؤول إليه ، أو المرادُ بالشيء مطلق الحقيقة المعلومة وإن كانت معدومة ، وإطلاق الشيء على المعدوم مستعمل .

و { أن نقول له كن } خبر عن { قولنا } .

والمراد بقول { كن } توجّه القدرة إلى إيجاد المقدور . عُبر عن ذلك التوجّه بالقول بالكلام كما عبّر عنه بالأمر في قوله : { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } [ سورة يس : 82 ] وشبّه الشيء الممكن حصوله بشخص مأمور ، وشبّه انفعال الممكن لأمْرِ التكوين بامتثال المأمور لأمر الآمر . وكلّ ذلك تقريب للناس بما يعقلون ، وليس هو خطاباً للمعدوم ولا أن للمعدوم سمعاً يعقل به الكلام فيمتثل للآمر .

و ( كَان ) تامة .

وقرأ الجمهور { فيكون } بالرفع أي فهو يكون ، عطفاً على الخبر وهو جملة { أن نقول } . وقرأ ابن عامر والكسائي بالنصب عطفاً على { نقول } ، أي أن نقول له كُن وأن يكون .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال سبحانه: {إنما قولنا}، يعني أمرنا... {لشيء إذا أردناه أن نقول له} مرة واحدة {كن فيكون} لا يثني قوله مرتين.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائناهم، ولا في غير ذلك مما نخلق ونكوّن ونحدث، لأنا إذا أردنا خلقه وإنشاءه فإنما نقول له كن فيكون، لا معاناة فيه ولا كُلفة علينا...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} (يحتمل وجهين:

أحدهما:) يخبر عن سرعة نفاذ أمره وسهولة الأمر عليه أنه يكون أسرع من لحظة بصر أو لمحة عين...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... {كُنْ فَيَكُونُ} من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود، أي: إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له: احدث، فهو يحدث عقيب ذلك لا يتوقف، وهذا مثل لأنّ مراداً لا يمتنع عليه، وأنّ وجوده عند إرادته تعالى غير متوقف، كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع الممتثل، ولا قول ثم. والمعنى: أنّ إيجاد كل مقدور على الله تعالى بهذه السهولة، فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من شق المقدورات.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

... كما قال {وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50] وقال: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28]، وقال في هذه الآية الكريمة: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40].

أي: أنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به، فإنه تعالى لا يمانع ولا يخالف، لأنه [هو] الواحد القهار العظيم، الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء، فلا إله إلا هو ولا رب سواه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذه الجملة متّصلة بجملة {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [سورة النحل: 38] لبيان أنّ جهلهم بمَدى قدرة الله تعالى هو الذي جرّأهم على إنكار البعث واستحالته عندهم، فهي بيان للجملة التي قبلها ولذلك فُصلت، ووقعتْ جملة {ليبين لهم الذين يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا} [سورة النحل: 39] إلى آخرها اعتراضاً بين البيان والمبيّن.

{إذا أردناه} إذا تعلّقت به الإرادة الإلهية تعلّقاً تنجيزياً، فإذا كان سبب التكوين ليس زائداً على قول {كن} فقد بطل تعذّر إحياء الموتى. ولذلك كان هذا قصر قلب لإبطال اعتقاد المشركين. والشيء: أطلق هنا على المعدوم باعتبار إرادة وجوده، فهو من إطلاق اسم ما يؤول إليه، أو المرادُ بالشيء مطلق الحقيقة المعلومة وإن كانت معدومة، وإطلاق الشيء على المعدوم مستعمل.

والمراد بقول {كن} توجّه القدرة إلى إيجاد المقدور. عُبر عن ذلك التوجّه بالقول بالكلام كما عبّر عنه بالأمر في قوله: {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} [سورة يس: 82] وشبّه الشيء الممكن حصوله بشخص مأمور، وشبّه انفعال الممكن لأمْرِ التكوين بامتثال المأمور لأمر الآمر. وكلّ ذلك تقريب للناس بما يعقلون، وليس هو خطاباً للمعدوم ولا أن للمعدوم سمعاً يعقل به الكلام فيمتثل للآمر.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

إذن: أمر البعث ليس علاجاً لجزئيات كل شخص وضم أجزائه وتسويته من آدم حتى قيام الساعة، بل المسألة منضبطة تماماً مع الأمر الإلهي (كن). وبمجرد صدوره، ودون حاجة لوقت ومزاولة يكون الجميع ماثلاً طائعاً، كل واحد منتظر دوره، منتظر الإشارة؛ ولذلك جاء في الخبر:"أمور يبديها ولا يبتديها". فالأمر يتوقف على الإذن: اظهر يظهر. ومثال ذلك ولله المثل الأعلى من يعد القنبلة الزمنية مثلاً، ويضبطها على وقت معين.. تظل القنبلة هذه إلى وقت الانفجار الذي وضع فيها، ثم تنفجر دون تدخل من صناعها.. مجرد الإذن لها بالانفجار تنفجر. وحتى كلمة (كن) نفسها تحتاج لزمن، ولكن ليس هناك أقرب منها في الإذن.. وإن كان الأمر في حقه تعالى لا يحتاج إلى كن ولا غيره.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

...ولعل المراد بالقول، الإرادة التكوينية لا الكلمة. ولكنها الكناية التي توحي بأن الأشياء حاضرةٌ للوجود أمامه سبحانه خاضعةٌ لإرادته بلسان استعدادها، كما لو كانت موجوداتٍ حيّةً عاقلةً تتلقى الأمر بالكلمة، فتستجيب بالممارسة.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ثمّ يشير القرآن إلى الفقرة الثّانية من بيان حقيقة المعاد، للرد على مَنْ يرى عدم إمكان إِعادة الإِنسان من جديد إلى الحياة من بعد موته: (إِنّما قولنا لشيء إِذا أردناه أن نقول له كن فيكون).

فمع هذه القدرة التامّة.. هل ثمّة شك أو ترديد في قدرته عز وجل على إِحياء الموتى؟!

ولعل لا حاجة لتبيان أنَّ «كن» إِنّما ذكرت لضرورة اللفظ، وإِلاّ لا حاجة في أمر اللّه ل «كن» أيضاً، فإرادته سبحانه وتعالى كافية في تحقيق ما يريد. ولو أردنا أن نضرب مثلا صغيراً ناقصاً من حياتنا (و لله المثل الأعلى)، فنستطيع أنْ نشبهه بانطباع صورة الشيء في أذهاننا لمجرد إِرادته، فإِنّنا لا نعاني من أية مشكلة في تصور جبل شامخ أو بحر متلاطم أو روضة غناء، ولا نحتاج في ذلك لجملة أو كلمة نطلقها حتى نتخيل ما نريد، فبمجرّد إِرادة التصور تظهر الصورة في ذهننا.