غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (40)

ثم برهن على إمكان البعث بقوله : { إنما قولنا } وهو مبتدأ خبره { أن نقول } وقد فسرنا مثل هذه الآية في سورة البقرة ، وذكرنا فيه مباحث عميقة لفظية ومعنوية فلا حاجة إلى الإعادة . والغرض أنه سبحانه لا مانع له من الإيجاد والإعدام ولا تتوقف آثار قدرته إلا على مجرد الإرادة والمشيئة ، فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو أهون من الإبداء ؟ ! قال في الكشاف : قرىء { فيكون } بالنصب عطفاً على { نقول } قلت : ولا مانع من كونه منصوباً بإضمار " أن " لوقوعه في جواب الأمر بعد الفاء وقد مر في " البقرة " . احتج بعض الأشاعرة بالآية على قدم القرآن قال : إنه لو كان حادثاً لافتقر إلى أن يقال له " كن " . ثم الكلام في هذا اللفظ كالكلام في الأوّل وتسلسل ، والجواب بعد تسليم أن هذا ليس مثلاً وأن ثم قولاً أن " إذا " لا تفيد التكرار فلا يلزم في كل ما يحدثه الله تعالى إلى أن يقول له " كن " . وكيف يتصور أن تكون لفظة " كن " قديمة والكاف مقدم على النون بزمان محصور ، ولو سلم فلا يجوز من قدم لفظة " كن " قدم القرآن . على أن قوله : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه } يقتضي كون القول واقعاً بالإرادة وما كان كذلك فهو محدث وأنه علق القول بكلمة " إذا " ولا شك أنها للاستقبال وكذا قوله : { أن نقول } ثم إن كلمة { كن } متقدمة على المكون بزمان واحد ، والمتقدم على المحدث بزمان يكون محدثاً ، فتلخص من هذه الدلائل أن الكلام المسموع لا بد أن يكون محدثاً . هذا تلخيص ما قاله الإمام فخر الدين الرازي ، ولعل لنا فيه نظراً . ولما حكى الله سبحانه عن الكفار ما حكى من إنكار البعث والجزاء لم يبعد منهم - والحالة هذه - إيذاء المسلمين وإنزال الضرر والهوان بهم وحينئذٍ يلزمهم أن يهاجروا تلك الديار فذكر ثواب المهاجرين قائلاً { والذين هاجروا في الله } .

/خ24