لما تقدّم إنكارهم البعث وأكدوا ذلك بالحلف بالله الذي أوجدهم ، ورد عليهم تعالى بقوله : { بلى } وذكر حقية وعده بذلك ، أوضح أنه تعالى متى تعلقت إرادته بوجود شيء أوجده .
وقد أقروا بأنه تعالى خالق هذا العالم سمائه وأرضه ، وأن إيجاده ذلك لم يوقف على سبق مادّة ولا آلة ، فكما قدر على الإيجاد ابتداء وجب أن يكون قادراً على الإعادة .
وتقدم تفسير قوله تعالى : كن فيكون في البقرة ، فأغنى عن إعادته .
والظاهر أن اللام في لشيء وفي له للتبليغ ، كقولك : قلت لزيد قم .
وقال الزجاج : هي لام السبب أي : لأجل إيجاد شيء ، وكذلك له أي لأجله .
قال ابن عطية : وما في ألفاظ هذه الآية من معنى الاستقبال والاستئناف إنما هو راجع إلى المراد ، لا إلى الإرادة .
وذلك أنّ الأشياء المرادة المكونة في وجودها استئناف واستقبال ، لا في إرادة ذلك ، ولا في الأمر به ، لأن ذينك قديمان .
فمن أجل المراد عبر بإذا ، ونقول : وأما قوله لشيء فيحتمل وجهين : أحدهما : أنه لما كان وجوده حتماً جاز أن يسمى شيئاً وهو في حالة عدم .
والثاني : أن قوله لشيء تنبيه على الأمثلة التي ينظر فيها ، وأنّ ما كان منها موجوداً كان مراداً ، وقيل له : كن فكان ، فصار مثالاً لما يتأخر من الأمور بما تقدّم ، وفي هذا مخلص من تسمية المعدوم شيئاً انتهى .
وقال : إذا أردناه منزل منزلة مراد ، ولكنه أتى بهذه الألفاظ المستأنفة بحسب أنّ الموجودات تجيء وتظهر شيئاً بعد شيء ، فكأنه قال : إذا ظهر المراد فيه .
وعلى هذا الوجه يخرج قوله : { فسيرى الله عملكم } وقوله : { ليعلم الذين آمنو منكم } ونحو هذا معناه يقع منكم ما أراد الله تعالى في الأزل وعلمه ، وقوله : أن نقول ، ينزل منزلة المصدر كأنه قال قولنا ، ولكن أن مع الفعل تعطى استئنافاً ليس في الصدر في أغلب أمرها ، وقد تجيء في مواضع لا يلحظ فيها الزمن كهذه الآية .
وكقوله تعالى : { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } وغير ذلك انتهى .
وقوله : ولكنْ أنّ مع الفعل يعني المضارع ، وقوله : في أغلب أمرها ليس بجيد ، بل تدل على المستقبل في جميع أمورها .
وأما قوله : وقد تجيء إلى آخره ، فلم يفهم ذلك من دلالة أنْ ، وإنما ذلك من نسبة قيام السماء والأرض بأمر الله ، لأنّ هذا لا يختص بالمستقبل دون الماضي في حقه تعالى .
ونظيره { إن الله كان على كل شيء قديراً } فكان تدل على اقتران مضمون الجملة بالزمن الماضي ، وهو تعالى متصف بهذا الوصف ماضياً وحالاً ومستقبلاً ، وتقييد الفعل بالزمن لا يدل على نفيه عن غير ذلك الزمن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.