معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

قوله تعالى : { سرابيلهم } ، أي : قمصهم ، واحدها سربال . { من قطران } هو الذي تهنأ به الإبل . وقرأ عكرمة ويعقوب { من قطران } على كلمتين منونتين والقطر : النحاس ، والصفر المذاب ، والآن : الذي انتهى حره ، قال الله تعالى : { يطوفون بينها وبين حميم آن } [ الرحمن-44 ] . { وتغشى وجوههم النار } ، أي : تعلو .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

{ سَرَابِيلُهُمْ } أي : ثيابهم { مِنْ قَطِرَانٍ } وذلك لشدة اشتعال النار فيهم وحرارتها ونتن ريحها ، { وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ } التي هي أشرف ما في أبدانهم { النَّارَ } أي : تحيط بها وتصلاها من كل جانب ، وغير الوجوه من باب أولى وأحرى ، وليس هذا ظلما من الله لهم وإنما هو جزاء لما قدموا وكسبوا ، ولهذا قال تعالى : { لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما سيحل بالمجرمين يوم القيامة من عذاب عنيف مهين يناسب إجرامهم وكفرهم فقال : { وَتَرَى المجرمين يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد . سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وتغشى وُجُوهَهُمْ النار }

وقوله { مقرنين } جمع مقرن ، وهو من جمع فى قرن ووثاق واحد يربطان به .

والأصفاد : جمع صفد - بفتح الفاء - وهو القيد الذى يوضع فى الرجل ، أو الغل - بضم الغين - الذى تضم به اليد والرجل إلى العنق .

والسرابيل : جمع سربال وهو القميص .

والقطران : مادة حارة نتنة شديدة الاشتعال تصلى بها جولد الإِبل الجربى ، ليزول الجرب منها . أى : وترى - أيها العاقل - المجرمين فى هذا اليوم العسير عليهم { مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد } أى : قد قرن بعضهم مع بعض ، وضم كل قرين إلى من يشبهه فى الكفر وفى الفسوق وفى العصيان ، وقد قيدوا جميعا بالأصفاد واليقود والأغلال .

قال - تعالى - { احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ . . } أى : وأمثالهم من العصاة ، فعابد الصنم يكون مع عابد الصنم ، وشارب الخمر مع شارب الخمر . ويصح أن يكون اقترانهم مع الشياطين كما قال - تعالى - { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشياطين ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } هذا عن مشهد المجرمين وهم مقرنون فى الأصفاد ، وهو مشهد مهين مذل ولكنه ليس كافيا .

فى عقابهم ، بل يضاف إليه أن ملابسهم من قطران ، ليجتمع لهم لذعته ، وقبح لونه ، ونتن ريحه ، وسرعة اشتعاله ، وفوق كل ذلك فإن وجوههم تعلوها وتحيط بها النار التى تستعر بأجسادهم المسربلة بالقطران .

وخص - سبحانه الوجوه بغشيان النار لهاه ، لكونها أعز موضع فى البدن وأشرفه

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

28

ويضاف إلى قرنهم في الوثاق أن سرابيلهم وثيابهم من مادة شديدة القابلية للالتهاب ، وهي في ذات الوقت قذرة سوداء . . ( من قطران ) . . ففيها الذل والتحقير ، وفيها الإيحاء بشدة الاشتعال بمجرد قربهم من النار !

( وتغشى وجوههم النار ) . .

فهو مشهد العذاب المذل المتلظي المشتعل جزاء المكر والاستكبار . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

وقوله : { سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ } أي : ثيابهم التي يلبسونها عليهم من قطران ، وهو الذي تُهنأ به الإبل ، أي : تطلى ، قاله قتادة . وهو ألصق شيء بالنار .

ويقال فيه : " قَطِران " ، بفتح القاف وكسر الطاء ، وبفتح القاف وتسكين الطاء ، وبكسر القاف وتسكين الطاء ، ومنه قول أبي النجم :

كأنّ قِطْرانًا إذَا تَلاهَا *** تَرْمي{[16048]} به الرّيح إلى مَجْراها{[16049]} وكان ابن عباس يقول : القَطران هو : النحاس المذاب ، وربما قرأها : " سَرَابيلهم من قَطِران " أي : من نحاس حار قد انتهى حره . وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جُبَير ، والحسن ، وقتادة .

وقوله : { وَتَغْشَى{[16050]} وُجُوهَهُمُ النَّارُ } كقوله : { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [ المؤمنون : 104 ] .

وقال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أنبأنا أبان بن يزيد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن زيد ، عن أبي سلام ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع من أمر الجاهلية لا يُتْرَكن{[16051]} الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ، والنائحة{[16052]} إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرْع من جَرَب " . انفرد بإخراجه مسلم{[16053]} .

وفي حديث القاسم ، عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " النائحة إذا لم تتب ، توقف في طريق{[16054]} بين الجنة والنار ، وسرابيلها من قطران ، وتغشى وجهها النار " {[16055]} .


[16048]:- في ت : "يرمى".
[16049]:- البيت في تفسير الطبري (13/167).
[16050]:- في ت : "ويغشى".
[16051]:- في ت : "لا بد لهن" ، وفي أ : "لا يزكهن".
[16052]:- في أ : "والنابحة".
[16053]:- المسند (5/342) وصحيح مسلم برقم (934).
[16054]:- في ت : "الطريق".
[16055]:- رواه الطبراني في المعجم الكبير (8/238) من طريق عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، وكلهم ضعفاء - عن أبي أمامة به. وقد قال ابن حبان : "إذا جاء الحديث من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، فهو مما صنعته أيديهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

وقوله : سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطرَانٍ يقول : قمصهم التي يلبسونها ، واحدها : سربال ، كما قال امرؤ القيس :

*** لَعُوبٌ تُنَسّينِي إذَا قُمْتُ سرْبالي ***

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ قال : السرابيل : القُمُص .

وقوله : مِنْ قَطِرَانٍ : يقول : من القطران الذي يهنأ به الإبل ، وفيه لغات ثلاث : يقال : قِطْران وقَطْران بفتح القاف وتسكين الطاء منه . وقيل : إن عيسى بن عمر كان يقرأ : مِنْ قِطْرَانٍ بكسر القاف وتسكين الطاء ومنه قول أبي النجم :

جَوْنٌ كأنّ العَرَقَ المَنْتُوحا *** لَبّسَهُ القِطْرَانَ والمُسُوحا

بكسر القاف ، وقال أيضا :

كأنّ قِطْرَانا إذَا تَلاهَا *** تَرْمي بِهِ الرّيحُ إلى مَجْرَاها

بالكسر .

وبنحو ما قلناه في ذلك يقول من قرأ ذلك كذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : مِنْ قَطِرانٍ يعني : الخَضْخَاض هِناء الإبل .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : مِنْ قَطِرَانٍ قال : قطران الإبل .

وقال بعضهم : القطران : النحاس . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : قَطران : نحاس ، قال ابن جريج : قال ابن عباس : مِنْ قَطِرَانٍ : نحاس .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : مِن قَطِران قال : هي نحاس .

وبهذه القراءة : أعني بفتح القاف وكسر الطاء وتصيير ذلك كله كلمة واحدة ، قرأ ذلك جميع قرّاء الأمصار ، وبها نقرأ لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

وقد رُوي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ ذلك : «مِنْ قَطْرٍ آنٍ » بفتح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيير «آن » من نعِته ، وتوجيه معنى «القَطر » إلى أنه النحاس ومعنى «الاَن » إلى أنه الذي قد انتهى حرّه في الشدّة .

وممن كان يقرأ ذلك كذلك فيما ذُكر لنا عكرمة مولى ابن عباس .

حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حُصَين عنه . ذكر من تأوّل ذلك على هذه القراءة التأويل الذي ذكرت فيه :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : قطر ، والاَن : الذي قد انتهى حرّه .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا داود بن مِهران ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير نحوه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد ، بنحوه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ : «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا المبارك بن فضالة ، قال : سمعت الحسن يقول : كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حرّه : قد أنى حرّ هذا ، قد أوقدت عليه جهنم منذ خلقت فأنى حرّها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعيد ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس في قوله : «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : القطر : النحاس ، والاَن : يقول : قد أنى حرّه ، وذلك أنه يقول : حميمٌ آن .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا ثابت بن يزيد ، قال : حدثنا هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في هذه الاَية : «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : من نحاس ، قال : آنٍ أنى لهم أن يعذّبوا به .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن حصين ، عن عكرمة ، في قوله : «مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : الاَني : الذي قد انتهى حرّه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : «مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : هو النحاس المذاب .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، عن قتادة : «مِنْ قَطُرٍ آنٍ » يعني : الصّفر المذاب .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن قتادة : «سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : من نحاس .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا أبو حفص ، عن هارون ، عن قتادة أنه كان يقرأ : «مِنْ قَطْرٍ آنٍ » قال : من صفر قد انتهى حرّه .

وكان الحسن يقرؤها : «مِنْ قَطْرٍ آنٍ » .

وقوله : وتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النّارُ يقول : وتلفَحُ وجوههم النار فتحرقها

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

{ سرابيلهم } قمصانهم . { من قطِران } وجاء قطران لغتين فيه ، وهو ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته ، وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة تطلى به جلود أهل النار حتى يكون طلاؤه لهم كالقمص ، ليجتمع عليهم لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم ، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين ، ويحتمل أن يكون تمثيلا لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الرديئة والهيئات الوحشية فيجلب إليها أنواعا من الغموم والآلام ، وعن يعقوب " قطرآن " والقطر النحاس أو الصفر المذاب والآني المتناهي حره ، والجملة حال ثانية أو حال من الضمير في { مقرنين } . { وتغشى وجوههم النار } وتتغشاها لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت فيها لأجله ، كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوءة بالجهالات ونظيره قوله تعالى : { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة } وقوله تعالى : { يوم يسحبون في النار على وجوههم } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

السرابيل : جمع سِربال وهو القميص . وجملة { سرابيلهم من قطران } حال من { المجرمين } .

والقطران : دهن من تركيب كيمياوي قديم عند البشر يصنعونه من إغلاء شَجر الأرز وشجر السرو وشجر الأبهل بضم الهمزة والهاء وبينهما موحدة ساكنة وهو شجر من فصيلة العرعر . ومن شجر العرعر بأن تقطع الأخشاب وتجعل في قبة مبنية على بلاط سَوِي وفي القبة قناة إلى خارج . وتُوقد النار حول تلك الأخشاب فتصعد الأبخرة منها ويسري ماء البخار في القناة فتصب في إناء آخر موضوع تحت القناة فيتجمع منهماء أسود يعلوه زبد خاثر أسود . فالماء يعرف بالسائل والزَبَد يعرف بالبرقي . ويتخذ للتداوي من الجرب للإبل ولغير ذلك مما هو موصوف في كتب الطب وعلم الأَقْرَبَاذين .

وجعلت سرابيلهم من قطران لأنه شديد الحرارة فيؤلم الجِلدَ الواقعَ هو عليه ، فهو لباسهم قبل دخول النار ابتداء بالعذاب حتى يقعوا في النار .