الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

قوله تعالى : { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } : مبتدأ وخبر في محلِّ نصبٍ على الحال : إمَّا من " المجرمين " ، وإمَّا من " مُقَرَّنين " ، وإمَّا مِنْ ضميره . ويجوز أن تكونَ مستانفةً ، وهو الظاهر .

والسَّرابيلُ : الثياب . وسَرْبَلْتُه ، أي : أَلْبَسْتَه السِّربال . قال :

أَوْدَى بنَعْلَيَّ وسِرْباليَهْ *** ويُطلقُ على ما يُحَصَّنُ في الحَرْب ، من الدِّرْع وشبهِه ، قال تعالى : { وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } [ النحل : 81 ] .

والقَطِران : ما يُسْتَخْرج مِنْ شجرٍ ، فيُطبخ وتُطْلَى به الإِبلُ الجُرُبُ لِيَذْهَبَ جَرْبُها بِحِدَّته ، وهو أفضلُ الأشياءِ للاشتعال به . وفيه لغاتٌ : قَطِران بفتح/ القاف وكسر الطاء ، وهي قراءةُ العامَّة . وقَطْران بزنة سَكْران وبها قرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب . وقال أبو النجم :

لَبَّسَه القَطْرانَ والمُسُوحَا ***

وقِطْران بكسر القافِ وسكونِ الطاء بزنة سِرْحان ، ولم يُقْرأ بها فيما عَلِمْت .

وقرأ جماعةٌ كثيرة منهم عليُّ بن أبي طالب وابن عباس وأبو هريرة والحسَن " بَقَطِرٍ " بفتح القافِ وكسرِ الطاءِ وتنوينِ الراء ، " آنٍ " بوزن عانٍ ، جعلوهما كلمتين ، والقَطِر : النحاس ، والآني : اسمُ فاعل مِنْ أَنَى يَأْني ، أي : تناهى في الحرارةِ كقوله : { وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [ الرحمن : 44 ] ، وعن عمرَ رضي الله عنه " ليس بالقَطْران ، ولكنه النحاسُ الذي يَصير بلَوْنِه " .

وقرىء : " وتَغَشَّى " بتشديدِ الشينِ ، أي : وتَتَغشَّى ، فحذف إحدى التاءين .

وقُرِئ برفعِ " وجوهُهم " ونصبِ " النار " على سبيلِ المجاز ، جَعَلَ ورودَ الوجوهِ النارَ غِشْياناً .

والجملةُ من قوله " وتَغْشى " قال أبو البقاء : " حالٌ أيضاً " ، يعني أنها معطوفةٌ على الحال ، ولا يَعْني أنها حالٌ ، والواوُ للحال ؛ لأنه مضارعٌ مثبتٌ .