قوله : { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال من " المُجْرمينَ " وإمَّا من : " مُقرَّنِينَ " ، وإما من ضميره ، ويجوز أن تكون مستأنفة وهو الظاهر .
والسَّرابِيلُ : الثِّيابُ ، وسَرْبلتهُ ، أي : ألْبَستهُ السِّربالَ ؛ قال : [ السريع ]
. . . . . . . . . . . . . . . *** أوْدَى بِنعْليَّ وسِرْبَالِيَه{[19402]}
وتطلق على ما يحصن في الحرب من الدِّرع ، وشبهه قال تعالى : { وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } [ النحل : 8 ] .
والقَطرانُ : ما يستخرج من شجر يسمَّى الأبهل ، فيطبخ ويطلى به الإبل الجُرْب ليذهب جربها [ بحدته ، وقد تصل حرارته إلى داخل الجوف ، ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار ]{[19403]} ، وهو أسود اللَّون منتن الرَّائحةِ ، وفيه لغاتٌ : " قِطرانٍ " بفتح القاف وكمسر الطاء ، وهي قراءة العامة .
و " قَطْران " بزنة سكران ، وبها قرأ{[19404]} عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- وقال أبو النَّجْم : [ الرجز ]
لَبَّسَهُ القَطْرانَ والمُسُوحَا{[19405]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و " قِطْرَان " بكسر القاف ، وسكون الطاء بزنة " سِرْحَان " ولم يقرأ بها فيما علمتُ .
قال شهابُ الدين{[19406]} -رحمه الله- : وقرأ{[19407]} جماعة كثيرة منهم عليُّ بن أبي طالب وابن عباس ، وأبو هريرة -رضي الله عنهم- : " قَطِرِ " بفتح الْقاف ، وكسرها وتنوين الراء " آنٍ " بوزن " عَانٍ " جعلوها كلمتين ، والقَطِر : النَّحاس ، وال " آنِ " اسم فاعل من أنَى يأني ، أي : تَناهى في الحرارةِ ؛ كقوله تعالى : { وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [ الرحمان : 44 ] .
وعن عمر -رضي الله عنه- ليس بالقطران ، ولكنَّه النحاس الذي يصير بلونه{[19408]} .
قال ابن الأنباري : " وتلك النَّار لا تبطل ذلك القطران ، ولا تفنيه ، كما لا تهلك أجسادهم النَّار ، والأغلال التي عليهم " .
واعلم أنه يطلى بذلك القطران جلود أهل النَّار حتَّى يصير ذلك الطِّلاء كالسِّربال ، وهو القميص ، فيحصل بسببه أربعة أنواع من العذاب : لذع القطران وحرقته ، وإسراع النَّار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الرِّيحِ ، وأيضاً : التفاوت بين قطران القيامة ، وقطران الدنيا كالتَّفاوت بين النارين .
قوله : { وتغشى وُجُوهَهُمْ النار } قرئ{[19409]} " وتَغَشَّى " بتشديد الشِّين ، أي : وتتغشى فحذفت إحدى التَّاءين .
وقرئ برفع : " وُجوهُهُم " {[19410]} ونصب " النَّار " على سبيل المجازِ ، جعل ورود الوجوه النار غشياناً .
والجملة من قوله : " وتَغْشَى " قال أبو البقاءِ : " حال أيضاً " .
يعني أنَّها معطوفة على الحالِ ، ولا يعني أنَّها حال ، والواو للحال ، لأنَّه مضارع مثبت .
المعنى : [ تعلو ]{[19411]} النَّار وجوههم ، ونظيره قوله -تعالى- : { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سواء العذاب } [ الزمر : 24 ] وقوله : { يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ } [ القمر : 48 ] .
واعلم أنَّ موضع المعرفة والنَّكرة ، والعلم ، والجهل ه والقلبُ ، وموضع الفكر ، والوهم والخيال هو الرَّأس ، وتأثير هذه الأحوال يظهر في الوجه ، فلهذا السبب خص الله -تعالى- هذين العضوين بظهور آثار العقاب فيهما ، قال الله -تعالى- [ في القلب ] : { نَارُ الله الموقدة التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة } [ الهمزة : 6 ، 7 ] وقال -تعالى- في الوجه : { وتغشى وُجُوهَهُمْ النار } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.