البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

السربال : القميص ، يقال : سربلته فتسربل .

القطران : ما يحلب من شجر الابهل فيطبخ ، وتهنأ به الإبل الجربى ، فيحرق الجرب بحره وحدته ، وهو أقبل الأشياء اشتعالاً ، ويقال فيه قطران بوزن سكران ، وقطران بوزن سرحان .

وقال الزمخشري : ومن شأنه .

أي : القطران ، أن يسرع فيه اشتعال النار ، وقد يستسرج به ، وهو أسود اللون منتن الريح ، فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل وهي القمص ، لتجتمع عليهم الأربع : لذع القطران وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح .

على أنّ التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين .

وكل ما وعده الله ، أو أوعد به في الآخرة ، فبينه وبين ما يشاهده من جنسه ما لا يقادر قدره ، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة ، فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه انتهى .

وقرأ عمر بن الخطاب ، وعليّ بن أبي طالب : من قطران بفتح القاف وإسكان الطاء ، وهو في شعر أبي النجم قال : لبسنه القطران والمسوحا .

وقرأ الجمهور : وتغشى وجوههم بالنصب ، وقرئ بالرفع ، فالأول على نحو قوله : { والليل إذا يغشى } فهي على حقيقة الغشيان ، والثانية على التجوز ، جعل ورود الوجه على النار غشياناً .

وقرئ : وتغشى وجوههم بمعنى تتغشى ، وخص الوجوه هنا .

وفي قوله : { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ، ويوم يسحبون في النار على وجوههم } لأن الوجه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه كالقلب في باطنه ، ولذلك قال : { تطلع على الأفئدة }