{ سَرَابِيلُهُم } أي قُمصانهم { من قطرَانٍ } جملةٌ من مبتدأ وخبر محلُّها النصبُ على الحالية من المجرمين أو من ضميرهم في مقرنين رابطتها الضمير فقط كما في كلمتُه فوه إلى فيَّ ، أو مستأنفة ، والقطران ما ينحلب من الأبهل{[472]} فيطبخ فتُهنَأُ{[473]} به الإبلُ الجربى فيحرق الجرَبَ بما فيه من الحِدّة الشديدة ، وقد تصل حرارتُه إلى الجوف وهو أسودُ منتِنٌ يسرع فيه اشتعالُ النار يطلى به جلودُ أهل النار حتى يعودَ طلاؤُه لهم كالسراويل ليجتمع عليهم الألوانُ الأربعة من العذاب لذعُه وحرقتُه وإسراعُ النار في جلودهم واللونُ الموحش والنتَنُ على أن التفاوت بينه وبين ما نشاهده وبين النارين لا يكاد يقادَر قدرُه فكأن ما نشاهده منهما أسماءُ مسمَّياتِها في الآخرة ، فبِكَرمه العميمِ نعوذ وبكنفه الواسع نلوذ ويحتمل أن يكون ذلك تمثيلاً لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الرديةِ والهَنات الوحشية فتجلُب إليها الآلام والغموم بل وأن يكون القطِرانُ المذكور عينَ ما لابسوه في هذه النشأة وجعلوا شعاراً لهم من العقائد الباطلة والأعمال السيئة المستجلبة لفنون العذاب قد تجسّدت في النشأة الآخرة بتلك الصورة المستتبعةِ لاشتداد العذاب عصَمنا الله سبحانه عن ذلك بمنه ولُطفه ، وقرئ قطرآنٍ أي نحاس مُذابٍ مُتناهٍ حرُّه .
{ وتغشى وُجُوهَهُمْ النار } أي تعلوها وتحيط بها النارُ التي تمس جسدَهم المسَرْبلَ بالقطِران ، وتخصيصُ الوجوه بالحكم المذكورِ مع عمومه لسائر أعضائِهم لكونها أعزَّ الأعضاء الظاهرةِ وأشرفَها كقوله تعالى : { أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوء العذاب } [ الزمر : 24 ] الخ ، ولكونها مجمعَ المشاعرِ والحواسّ التي خُلقت لإدراك الحق وقد أعرضوا عنه ولم يستعملوها في تدبره ، كما أن الفؤادَ أشرفُ الأعضاء الباطنةِ ومحلُّ المعرفة وقد ملؤوها بالجهالات ، ولذلك قيل : { تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة } [ الهمزة : 7 ] أو لخلوّها عن القطِران المغني عن ذكر غشيانِ النار لها ، ولعل تخليتَها عنه ليتعارفوا عند انكشافِ اللهب أحياناً ويتضاعف عذابُهم بالخزي على رؤوس الأشهاد ، وقرئ تَغَشَّى أي تتغشى بحذف إحدى التاءين ، والجملةُ نصبٌ على الحالية لا على أن الواو حاليةٌ لأنه مضارعٌ مثبَتٌ بل على أنها معطوفةٌ على الحال قاله أبو البقاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.