الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

قوله تعالى : " سرابيلهم من قطران " أي قميصهم ، عن ابن دريد وغيره ، واحدها سربال ، والفعل تسربلت وسربلت غيري ، قال كعب بن مالك :

تلقاكُمُ عصبٌ حولَ النَّبِيّ لَهُمْ*** من نسجِ داود في الهَيْجَا سرابيلُ

" من قطران " يعني قطران الإبل الذي تهنأ به{[9587]} ، قاله الحسن . وذلك أبلغ لاشتعال النار فيهم . وفي الصحيح : أن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب . وروي عن حماد أنهم قالوا : هو النحاس . وقرأ عيسى بن عمر : " قطران " بفتح القاف وتسكين الطاء . وفيه قراءة ثالثة : كسر القاف وجزم الطاء ؛ ومنه قول أبي النجم :

جَوْنٌ كَأَنَّ العَرَقَ المَنْتُوحَا{[9588]} *** لَبَّسَه القِطْرَانَ والمُسُوحَا

وقراءة رابعة : " من قطران{[9589]} " رويت عن ابن عباس وأبي هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير ويعقوب ، والقطر : النحاس والصُّفْر المذاب . ومنه قوله تعالى : " آتوني أفرغ عليه قطرا{[9590]} " [ الكهف : 96 ] . والآن : الذي قد انتهى إلى حره ، ومنه قوله تعالى : " وبين حميم آن{[9591]} " . [ الرحمن : 44 ] . " وتغشى وجوههم النار " أي تضرب " وجوههم النار " فتغشيها .


[9587]:تهنأ به: ترهن.
[9588]:نتح العرق خرج من الجلد.
[9589]:"قطر" : ضبطه في "روح المعاني" بفتح القاف وكسر الطاء وتنوين الراء، ومثله في "البحر المحيط" وضبط بفتح القاف وكسرها مع سكون الطاء، ففيه ثلاث لغات.
[9590]:راجع ج 11 ص 62.
[9591]:راجع ج 17 ص 175.