السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغۡشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ} (50)

الصفة الثانية : قوله تعالى : { سرابيلهم } ، أي : قمصهم جمع سربال وهو القميص { من قطران } وهو شيء يتحالب من شجر يسمى الأبهل ، فيطبخ وتطلى به الإبل الجربى ، فيحرق الجرب بحرارته وحدته ، وقد تصل حرارته إلى داخل الجوف ، ومن شأنه أنه يتسارع فيه اشتعال النار ، وهو أسود اللون منتن الريح ، فتطلى به جلود أهل النار حتى يصير ذلك الطلاء كالسرابيل ، فيحصل بسببها أربعة أنواع من العذاب : لذع القطران ، وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح ، وأيضاً التفاوت بين قطران القيامة وقطران الدنيا كالتفاوت بين النارين .

الصفة الثالثة قوله تعالى : { وتغشى } ، أي : تعلو { وجوههم النار } ونظيره قوله تعالى : { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب } [ الزمر ، 24 ] . وقوله تعالى : { يوم يسحبون في النار على وجوههم } [ القمر ، 48 ] . ولما كان موضع العلم والجهل هو القلب ، وموضع الكفر والوهم هو الرأس ، وأثر هذه الأحوال يظهر في الوجه فلهذا خص الله تعالى هذين العضوين بظهور آثار العقاب فيها فقال في القلب : { نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة } [ الهمزة : 6 ، 7 ] . وقال في الوجه : { وتغشى وجوههم النار } .