معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ} (29)

قوله تعالى : { ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً } ، أي : على الوحي وتبليغ الرسالة ، كناية عن غير مذكور ، { إن أجري } ، ما ثوابي ، { إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا } ، هذا دليل على أنهم طلبوا منه طرد المؤمنين ، { إنهم ملاقوا ربهم } ، أي : صائرون إلى ربهم في المعاد فيجزي من طردهم . { ولكني أراكم قوما تجهلون }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ} (29)

{ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } أي : على دعوتي إياكم { مَا لَا } فستستثقلون المغرم .

{ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ } وكأنهم طلبوا منه طرد المؤمنين الضعفاء ، فقال لهم : { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا } أي : ما ينبغي لي ، ولا يليق بي ذلك ، بل أتلقاهم بالرحب والإكرام ، والإعزاز والإعظام { إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } فمثيبهم على إيمانهم وتقواهم بجنات النعيم .

{ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } حيث تأمرونني ، بطرد أولياء الله ، وإبعادهم عني . وحيث رددتم الحق ، لأنهم أتباعه ، وحيث استدللتم على بطلان الحق بقولكم إني بشر مثلكم وإنه ليس لنا عليكم من فضل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ} (29)

ثم وجه نوح - عليه السلام - نداء ثانيا إلى قومه زيادة في التلطف معهم ، وطمعا فى إثارة وجدانهم نحو الحق فقال : { ويا قوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً } .

أى : لا أطلب منكم شيئا من المال فى مقابل تبليغ ما أمرنى ربى بتبليغه إليكم : لأن طلبى هذا قد يجعلكم تتوهمون أنى محب للمال .

{ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله } - تعالى وحده ، فهو الذى يثيبنى على دعوتى إلى عبادتكم له ، وفى هذه الجملة إشارة إلى أنه لا يسأل الله - تعالى - مالا ، وإنما يسأله ثوابا ، إذ ثواب الله يسمى أجرا ، لأنه جزاء على العمل الصالح .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى سورة الشعراء : { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين } وجملة { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الذين آمنوا } معطوفة على جملة { لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً } لأن مضمونها كالنتيجة لمضمون المعطوف عليها ، إذ أن زهده فى مالهم يقتضى تمسكه بأتباعه المؤمنين .

الطرد : الأمر بالبعد عن مكان الحضور تحقيرا أو زجرا .

أى : وما أنا بطارد الذين آمنوا بدعوتى ، سواء أكانوا من الفقراء أم من الأغنياء ، لأن من استغنى عن مال الناس وعطائهم لا يقيسهم بمقياس الغنى والجاه والقوة . . . وإنما يقيسهم بمقياس الإِيمان والتقوى .

قال الآلوسى : والمروى عن ابن جريح أنهم قالوا له : " يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطرد هؤلاء الأراذل - وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم فى الأمر سواء .

وذلك كما قال زعماء قريش للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى شأن فقراء الصحابة : اطرد هؤلاء عن مجلسك ونحن نتبعك فإنا نستحى أن نجلس معهم فى مجلسك . . . "

وجملة { إِنَّهُمْ مُّلاَقُو رَبِّهِمْ } تعليل لنفى طردهم .

أى : لن أطردهم عن مجلسى أبدا ، لأنهم قد آمنوا بى ، ولأن مصيرهم إلى الله - تعالى - ، فيحاسبهم على سرهم وعلنهم ، أما أنا فأكتفى منهم بظواهرهم التى تدل على صدق إيمانهم ، وشدة إخلاصهم .

وجاءت هذه الجملة بصيغة التأكيد ، لأن الملأ الذين كفروا من قومه كانوا ينكرون البعث والحساب .

وقوله : { ولكني أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } استدراك مؤكد لمضمون ما قبله .

أى : لن اطردهم ، لأن ذلك ليس من حقى بعد أن آمنوا ، وبعد أن تكفل الله بمحاسبتهم ولكنى مع هذا البيان المنطقى الواضح ، أراكم قوما تجهلون القيم الحقيقية التى يقدر بها الناس عند الله ، وتجهلون أن مرد الناس جميعا إليه وحده - سبحانه - ليحاسبهم على أعمالهم ، وتتطاولون على المؤمنين تطاولا يدل على طغيانكم وسفاهتكم .

وحذف مفعول { تَجْهَلُونَ } للعلم به ، وللإِشارة إلى شدة جهلهم .

أى : تجهلون كل ما ينبغى ألا يجعله عاقل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ} (29)

25

( ويا قوم لا أسألكم عليه مالا ، إن أجري إلا على الله ، وما أنا بطارد الذين آمنوا ، إنهم ملاقو ربهم ، ولكني أراكم قوما تجهلون ) .

يا قوم إن الذين تدعونهم أراذل قد دعوتهم فآمنوا ، وليس لي عند الناس إلا أن يؤمنوا . إنني لا أطلب مالا على الدعوة ، حتى أكون حفيا بالأثرياء غير حفي بالفقراء ؛ فالناس كلهم عندي سواء . . ومن يستغن عن مال الناس يتساو عنده الفقراء والأغنياء . .

( إن أجري إلا على الله ) . .

عليه وحده دون سواه .

( وما أنا بطارد الذين آمنوا ) . .

ونفهم من هذا الرد أنهم طلبوا أو لوحوا له بطردهم من حوله ، حتى يفكروا هم في الإيمان به ، لأنهم يستنكفون أن يلتقوا عنده بالأراذل ، أو أن يكونوا وإياهم على طريق واحد ! - لست بطاردهم ، فهذا لا يكون مني . لقد آمنوا وأمرهم بعد ذلك إلى الله لا لي :

إنهم ملاقوا ربهم . . ( ولكني أراكم قوما تجهلون ) . .

تجهلون القيم الحقيقية التي يقدر بها الناس في ميزان الله . وتجهلون أن مرد الناس كلهم إلى الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ} (29)

يقول لقومه : لا أسألكم على نصحي [ لكم ]{[14571]} مالا ؛ أجرة آخذها منكم ، إنما أبتغي الأجر من الله عز وجل ، { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا } كأنهم طلبوا منه أن يطرد المؤمنين عنه ، احتشاما ونفاسة منهم أن يجلسوا معهم ، كما سأل أمثالهم خاتم{[14572]} الرسل صلى الله عليه وسلم أن يطرد عنهم{[14573]} جماعة من الضعفاء ويجلس معهم مجلسا خاصا ، فأنزل الله تعالى : { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } [ الأنعام : 52 ] ، { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } [ الكهف : 28 ] ، وقال تعالى : { وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } الآيات [ الأنعام : 53 ] .


[14571]:- زيادة من ت ، أ.
[14572]:- في ت : "لخاتم".
[14573]:- في ت : "عنه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ} (29)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقَوْمِ لآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّهُمْ مّلاَقُو رَبّهِمْ وَلََكِنّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } .

وهذا أيضا خبر من الله عن قيل نوح لقومه أنه قال لهم : يا قَوْمِ لا أسْألُكمْ على نصيحتي لكم ودعايتكم إلى توحيد الله ، وإخلاص العبادة له مالاً : أجرا على ذلك ، فتتهموني في نصيحتي ، وتظنون أن فعلي ذلك طلب عرَض من أعراض الدنيا . إنْ أجْرِيَ إلاّ على اللّهِ يقول : ما ثواب نصيحتي لكم ودعايتكم إلى ما أدعوكم إليه ، إلا على الله ، فإنه هو الذي يجازيني ويثيبني عليه . وَما أنا بِطارِدِ الّذِينَ آمَنُوا وما أنا بمقص من آمن بالله وأقرّ بوحدانيته وخلع الأوثان وتبرأ منها بأن لم يكونوا من عِلْيتكم وأشرافكم . إنّهُمْ مُلاقُوا رَبّهِمْ يقول : إن هؤلاء الذين تسألوني طردهم صائرون إلى الله ، والله سائلهم عما كانوا في الدنيا يعملون ، لا عن شرفهم وحسبهم .

وكان قيل نوح ذلك لقومه ، لأن قومه قالوا له ، كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : وَما أنا بِطارِدِ الّذِينَ آمَنُوا إنّهُمْ مُلاقُوا رَبّهِمْ قال : قالوا له : يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطردهم ، وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الأمر سواء فقال : ما أنا بِطارِدِ الّذِينَ آمَنُوا إنّهُمْ مُلاقُوا رَبّهِمْ فيسألهم عن أعمالهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح جميعا ، عن مجاهد ، قوله : إنْ أجْرِيَ إلاّ على اللّهِ قال : جزائي .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وقوله : وَلَكِنّي أرَاكُمْ قَوْما تَجْهَلُونَ يقول : ولكني أيها القوم أراكم قوما تجهلون الواجب عليكم من حقّ الله واللازم لكم من فرائضه ، ولذلك من جهلكم سألتموني أن أطرد الذين آمنوا بالله .