{ والملك } يعني الملائكة ، { على أرجائها } نواحيها وأقطارها ما لم ينشق منها ، واحدها : رجا وتثنيته رجوان . قال الضحاك : تكون الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الرب فينزلون ، فيحيطون بالأرض ومن عليها ، { و يحمل عرش ربك فوقهم } يعني : فوق رؤوسهم يعني : الحملة ، { يومئذ } يوم القيامة ، { ثمانية } يعني ثمانية أملاك . جاء في الحديث : " إنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة أخرى ، فكانوا ثمانية على صورة الأوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء " . وجاء في الحديث : " لكل ملك منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر " .
أخبرنا أبو بكر بن الهيثم الترابي ، أنبأنا أبو الفضل محمد بن الحسن الحدادي ، أنبأنا محمد بن يحيى الخالدي ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا يحيى بن العلاء الراعي ، عن عمه شعيب بن خالد ، حدثنا سماك بن حرب ، عن عبد الله بن عمير ، عن العباس بن عبد المطلب قال : " كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتدرون ما هذا ؟ قلنا : السحاب . قال : والمزن ؟ قلنا : والمزن ، قلنا : والعنان ، فقال : والعنان ، فسكتنا ، فقال : هل تدرون كم بين السماء والأرض ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : بينهما مسيرة خمسمائة سنة ، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة ، وكذلك غلظ كل سماء خمسمائة سنة ، وفوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض ، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين السماء والأرض ، ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك ، ليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء " . ويروى هذا عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس . وروي عن ابن عباس أنه قال : { فوقهم يومئذ ثمانية } أي : ثمانية صفوف من ملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله .
والمراد بالملك فى قوله - تعالى - : { والملك على أَرْجَآئِهَآ } جنس الملك ، فيشمل عدد مبهم من الملائكة . . أو جميع الملائكة إذا أردنا بأل معنى الاستغراق .
والأرجاء : الأطراف والجوانب ، جمع رَجَا بالقصر ، وألفه منقلبة عن واو ، مثل : قفا وقفوان .
أى : والملائكة فى ذلك الوقت يكونون على أرجاء السماء وجوانبها ، ينفذون أمر الله - تعالى - { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } أى : والملائكة واقفون على أطراف السماء ، ونواحيها .
ويحمل عرش ربك فوق هؤلاء الملائكة فى هذا اليوم ، ثمانية منهم ، أو ثمانية من صفوفهم التى لا يعلم عددها إلا الله - تعالى - .
وعرش الله - تعالى - مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم ، فنحن نؤمن بأن الله - عز وجل - عرشا ، إلا أننا نفوض معرفة هيئته وكنهه . . إلى الله - تعالى - .
قال الألوسى ما ملخصه : قوله : { والملك على أَرْجَآئِهَآ } أى : والجنس المتعارف بالملك ، وهم الملائكة . . على جوانب السماء التى لا تتشقق . .
{ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ } أى : فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء المدلول عليهم بالملك ، وقيل : فوق العالم كله .
{ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } أى : من الملائكة ، أو ثمانية صفوف لا يعلم عدتهم إلا الله - تعالى - .
هذا ، وقد وردت فى صفة هؤلاء الملائكة الثمانية ، أحاديث ضعيفة لذا ضربنا صفحا عن ذكرها .
ثم يغمر الجلال المشهد ويغشيه ، وتسكن الضجة التي تملأ الحس من النفخة والدكة والتشقق والانتثار . يسكن هذا كله ويظهر في المشهد عرش الواحد القهار :
( والملك على أرجائها ، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) . .
والملائكة على أرجاء هذه السماء المنشقة وأطرافها ، والعرش فوقهم يحمله ثمانية . . ثمانية أملاك أو ثمانية صفوف منها ، أو ثمانية طبقات من طبقاتهم ، أو ثمانية مما يعلم الله . لا ندري نحن من هم ولا ما هم . كما لا ندري نحن ما العرش ? ولا كيف يحمل ? ونخلص من كل هذه الغيبيات التي لا علم لنا بها ، ولم يكلفنا الله من علمها إلا ما قص علينا . نخلص من مفردات هذه الغيبيات إلى الظل الجليل الذي تخلعه على الموقف . وهو المطلوب منا أن تستشعره ضمائرنا . وهو المقصود من ذكر هذه الأحداث ليشعر القلب البشري بالجلال والرهبة والخشوع ، في ذلك اليوم العظيم ، وفي ذلك الموقف الجليل :
والملكُ على أرجائها يقول تعالى ذكره : والملك على أطراف السماء حين تشقق وحافاتها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : والمَلَكُ على أرْجائها يقول : والملك على حافات السماء حين تشقّق ويقال : على شقة ، كلّ شيء تشقّق عنه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَالمَلَكُ على أرْجائها قال : أطرافها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : وَالمَلَكُ على أرْجائها قال : على حافات السماء .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، عن الأجلح ، قال : قلت للضحاك : ما أرجاؤها ، قال : حافاتها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال ثني سعيد : عن قتادة والملكُ على أرجائها على حافاتها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر وَالمَلَكُ على أرْجائها قال : بلغني أنها أقطارها ، قال قتادة : على نواحيها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَالمَلَكُ على أرْجائها قال : نواحيها .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الأشيب ، قال : حدثنا ورقاء ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن المسيب : الأرجاء حافات السماء .
قال : ثنا الأشيب ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير وَالمَلَكُ على أرْجائها قال : على ما لم يَهِ منها .
حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال : حدثنا حسين الأشقر ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، في قوله والمَلَكُ على أرْجائها قال : على ما لم يَهِ منها .
وقوله : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ اختلف أهل التأويل في الذي عنى بقوله ثَمانِيَةٌ فقال بعضهم : عنى به ثمانية صفوف من الملائكة ، لا يعلم عدّتهنّ إلا الله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا طلق عن ظهير ، عن السديّ ، عن أبي مالك عن ابن عباس : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال : ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ين عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال : هي الصفوف من وراء الصفوف .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قوله وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال : ثمانية صفوف من الملائكة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال بعضهم : ثمانية صفوف لا يعلم عدتهنّ إلا الله . وقال بعضهم : ثمانية أملاك على خلق الوعلة .
وقال آخرون : بل عنى به ثمانية أملاك . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةً قال : ثمانية أملاك ، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَحْمِلُهُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ ، وَيَوْم القِيامَةِ ثَمَانِيَةٌ » ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ أقْدامَهُمْ لَفِي الأرْضِ السّابِعَةِ ، وَإنّ مَناكِبَهُمْ لخَارِجَةٌ مِنَ السّمَوَاتِ عَلَيْها العَرْشُ » قال ابن زيد : الأربعة ، قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لَمّا خَلَقَهُمُ اللّهُ قالَ : تَدْرُونَ لِمَ خَلَقْتُكُمْ ؟ قالُوا : خَلَقْتَنا رَبّنا لِمَا تَشاءُ ، قالَ لَهُمْ : تَحْمِلُونَ عَرْشِي ، ثُمّ قالَ : سَلُوني مِنَ القُوّةِ ما شِئْتُمْ أجْعَلْها فِيكُمْ ، فَقالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ : قَدْ كانَ عَرْشُ رَبّنا على المَاءِ ، فاجَعْلْ فِيّ قُوّةَ المَاءِ ، قالَ : قَدْ جَعَلْتُ فيكَ قُوّةَ المَاءِ وقال آخَرُ : اجَعَلْ فِيّ قُوّة السّمَوَات ، قالَ : قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ السّمَوَاتِ وقالَ آخَرُ : اجْعَلْ فيّ قُوّةَ الأرْضِ ، قالَ : قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ الأرْضِ والجِبالِ وقالَ آخَرُ : اجْعَلْ فِيّ قُوّةَ الرّياح ، قالَ : قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ الرّياحِ ثُمّ قال : احْمِلُوا ، فَوَضَعُوا العَرْش على كَوَاهِلِهِمْ ، فَلَمْ يَزُولُوا قالَ : فَجاءَ عِلْمٌ آخَرُ ، وإنّمَا كانَ عِلْمُهُمُ الّذِي سأَلُوهُ القُوّةَ ، فَقالَ لَهُمْ : قُولُوا : لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّهِ ، فَقالُوا : لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّهِ ، فَجَعَلَ اللّهُ فِهِمْ مِنَ الْحَوْلِ والقُوّةِ ما لمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُهُمْ ، فَحَمَلُوا » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «هُمُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ » ، يعني حملة العرش «وَإذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أيّدَهُمُ اللّهُ بأرْبَعَةٍ آخَرِينَ فَكانُوا ثَمانِيَةً وَقَدْ قالَ اللّهُ : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن ميسرة ، قوله : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ قال : أرجلهم في التخوم لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور :
والملك والجنس المتعارف بالملك على أرجائها جوانبها جمع رجا بالقصر ولعله تمثيل لخراب السماء بخراب البنيان وانضواء أهلها إلى أطرافها وحواليها وإن كان على ظاهره فلعل هلاك الملائكة أثر ذلك ويحمل عرش ربك فوقهم فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء أو فوق الثمانية لأنها في نية التقديم يومئذ ثمانية ثمانية أملاك لما روي مرفوعا أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة آخرين وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله ولعله أيضا تمثيل لعظمته بما يشاهد من أحوال السلاطين يوم خروجهم على الناس للقضاء العام .
والرجا : الجانب من الحائط والبئر ونحوه ومنه قول الشاعر [ المرادي ] : [ الطويل ]
كأن لم تري قبلي أسيراً مقيداً*** ولا رجلاً يرعى به الرجوان{[11288]}
أي يلقى في بئر فهو لا يجد ما يتمسك به . وقال الضحاك أيضاً{[11289]} وابن جبير : الضمير في { أرجائها } عائد على الأرض وإن كان لم يتقدم لها ذكر قريب لأن القصة واللفظ يقتضي إفهام ذلك ، وفسر هذه الآية بما روي أن الله تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا فيقفون صفاً على حافات الأرض ثم يأمر ملائكة السماء الثانية فيصفون خلفهم ثم كذلك ملائكة كل سماء ، فكلما فر أحد من الجن والإنس وجد الأرض قد أحيط بها{[11290]} ، قالوا فهذا تفسير هذه الآيات ، وهو أيضاً معنى قوله تعالى :
{ وجاء ربك والملك صفاً صفاً }{[11291]} [ الفجر : 22 ] وهو أيضاً تفسير قوله { يوم التناد يوم تولون مدبرين }{[11292]} [ غافر : 32-33 ] على قراءة من شد الدال ، وهو تفسير قوله : { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا }{[11293]} [ الرحمن : 33 ] ، واختلف الناس في الثمانية الحاملين للعرش ، فقال ابن عباس : هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحد عدتهم . وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاك على هيئة الوعول ، وقال جماعة من المفسرين : هم على هيئة الناس ، أرجلهم تحت الأرض السفلى ورؤوسهم وكواهلهم فوق السماء السابعة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة قواهم الله بأربعة سواهم »{[11294]} . والضمير في قوله : { فوقهم } للملائكة الحملة ، وقيل للعالم كله وكل قدرة كيفما تصورت فإنما هي بحول الله وقوته .