تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

الآية 17 وقوله تعالى : { والملك في أرجائها } الأرجاء النواحي والأطراف ، وهي أطراف السماوات ونواحيها ، واحد الأرجاء رجا مقصور ، { والملك } أريد بها الملائكة ، أخبر أنهم على أطراف السماوات ونواحيها ، فيحتمل أنهم وكلوا ، وامتحنوا بحفظها بعد الشق لئلا تسقط على أهل الأرض .

وجائز أن يجعل أطرافها وجوانبها لبعض الملائكة ، فتفتح أبواب السماء ، فينزل الملائكة ، كان مسكنهم عندها إلى الأرض كما قال تعالى : { ونزل الملائكة تنزيلا } [ الفرقان : 25 ] ويبقى الملائكة الذين كان مسكنهم في أرجائها أمر ربهم .

ثم الملك ليس يحتاج على مكان يقر فيه ، وإن جعلت السماء مسكنا لهم ، لأن الملائكة ينزلون من السماء إلى الأرض ويقرون على الهواء من غير أن يكون في الهواء مقر .

[ وجائز أنه ]{[21918]}يبين أنها لا تتفرق كل التفرق ، ولكن وسطها ينشق لما ذكرنا ، [ ويبقى ]{[21919]} الباقي بحاله .

ويحتمل { والملك على أرجائها } على ما يمر به في السماء والله اعلم .

وقوله تعالى : { ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } فيحتمل أن يكون الملائكة بالنفخة الأولى يصعقون إلا الثمانية الذين يحملون العرش كما قال : { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا ما شاء الله } [ الزمر : 68 ] فيكون هؤلاء الثمانية الذين استثنوا ، فلا يصعقون ، فهم يحملون العرش ، فتكون أمكنتهم على أرجاء السماوات ، وهو قوله : { والملك على أرجائها } .

وقوله تعالى : { ثمانية } جائز أن يكون أراد به ثمانية أملاك ، وجائز أن يكون ثمانية أصناف من الملائكة كما ذكر في التفسير ، وجائز أن يكون هؤلاء الثمانية يهلكون ، ثم يحيون قبل أن يحيا سائر الخلق ، فيحملون { ويحمل عرش } {[21920]} على أكتافهم ، وإذا بعث الله تعالى الخلائق رأوا العرش على أكتافهم .

والعرش ، هو سرير الملك . وجائز أن يكون ذلك من نور كما ذكر في الخبر : " أن عين الشمس إذا أرادت أن تطلع فإن جبريل عليه السلام يأتي العرش ، فيأخذ كفا من ضيائه ، ثم يلبس الشمس كما يلبس أحدكم قميصه ، وإذا أراد القمر أن يطلع أخذ جبريل عليه السلام كفا من نور العرش ، فيلبس القمر كما يلبس أحدكم قميصه " .

فجائز أن يكون العرش من الضياء والنور . ثم أجل الأشياء وأعظمها في أعين الخلق الضياء والنور ، وإليهما ينتهي الرغب ، فيكون في ذكر العرش ذكر عظيم ملك الرب ، جل جلاله .

ثم إن كل ملك في الشاهد يتخذ لنفسه عرشا ، يتفاوت ذلك على مقدار ملكهم وسلطانهم ، لا ليجعل ذلك مسكنا لنفسه ، فإذا لم يتوهم من الخلق أنهم يتخذون ذلك لمقاعدهم ومجالسهم فلأن لا يتوهم ذلك من الله أولى .


[21918]:في الأصل وم: والثالث.
[21919]:في الأصل وم: و
[21920]:في الأصل وم: ربها