{ والملك على أَرْجَائِهَا } . لم يردْ به ملكاً واحداً ، بل المراد الجنس والجمع . «على أرجائها » «الأرجاء » في اللغة : النواحي والأقطار بلغة «هُذَيْل » ، واحدها : «رجا » مقصور وتثنيته «رجوان » ، مثل «عصا ، وعصوان » ، قال الشاعر : [ الوافر ]
4846 - فَلاَ يُرْمَى بِيَ الرَّجوانِ أنَّي***أقَلُّ القَوْمِ مَنْ يُغْنِي مَكانِي{[57768]}
4847 - كَأنْ لَمْ تَرَي قَبْلِي أسِيراً مُقَيَّداً*** ولا رَجُلاً يُرْمَى بِهِ الرَّجوانِ{[57769]}
و «رجاء » هذا يكتب بالألف عكس «رَجَا » ؛ لأنه من ذوات الواو ، ويقال : «رجا » ، ورجوانِ ، والجمع : «الأرجاء » ، ويقال ذلك لحرفي البئر وحرف القبر وما أشبهه .
قال ابن عباس : على أطرافها حين تنشق{[57770]} .
قال الماورديُّ : ولعله قول مجاهد وقتادة ، وحكاه الثعلبي عن الضحاك ، قال : على أطرافها مما لم تنشقّ منها{[57771]} .
وقال سعيد بن جبيرٍ : المعنى والملك على حافات الدنيا{[57772]} ، أي : ينزلون إلى الأرض ، ويحرسون أطرافها .
وقال : إذا صارت السماءُ قطعاً ، تقف الملائكةُ على تلك القطعِ التي ليست مُتشققة في أنفسها .
فإن قيل : الملائكةُ يمُوتُونَ في الصَّعقةِ الأولى ، لقوله تعالى : { فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض }[ الزمر : 68 ] فكيف يقال : إنهم يقفون على أرجاء السماء ؟ .
فالجوابُ من وجهين{[57773]} :
الأول : أنهم يقفون لحظة على أرجاء السماء ، ثم يموتون .
والثاني : المراد الذين استثناهم في قوله : { إِلاَّ مَن شَاءَ الله } .
فإن قيل : إنَّ الناس إذا رأوا جهنَّم هالتهم ، فندُّوا كما تندُّ الإبلُ ، فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلاَّ رأوا ملائكة ، فيرجعون من حيثُ جاءوا .
وقيل : { على أَرْجَائِهَا } ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النَّارِ من السَّوق إليها ، وفي أهل الجنة من التحية والكرامة ، وهذا كلُّه راجعٌ إلى قول ابن جبير ، ويدلُّ عليه قوله تعالى : { وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلاً }[ الفرقان : 25 ] .
قوله : { على أَرْجَائِهَا } ، خبر المبتدأ ، والضمير للسماء ، وقيل : للأرضِ ، على ما تقدم .
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : ما الفرق بين قوله : «والمَلَكُ » وبين أن يقال : «والمَلائِكَةُ » ؟
قلت : الملكُ أعمُّ من الملائكةِ ، ألا ترى إلى قولك : «ما من ملك إلاَّ وهو ساجدٌ » أعم من قولك : «ما مِنْ ملائكةٍ » انتهى .
قال أبو حيَّان{[57774]} : ولا يظهر أنَّ الملك أعمُّ من الملائكةِ ، لأن المفرد المحلَّى بالألف واللام ، قُصاراه أن يكون مراداً به الجمع المحلَّى ، ولذلك صح الاستثناءُ منه ، فقصاراه أن يكون كالجمع المُحَلَّى بهما ، وأما دعواه أنه أعم منه ، بقوله : «ألا ترى » إلى آخره ، فليس دليلاً على دعواه ؛ لأن «مِنْ ملكٍ » نكرةٌ مفردة في سياق النفي قد دخلت عليها «مِن » المخلصة للاستغراق ، فشملت كل ملكٍ فاندرج تحتها الجمعُ لوجود الفرد فيه ، فانتفى كل فردٍ فرد ، بخلاف «مِنْ ملائِكةِ » ، فإن «مِنْ » دخلت على جمع منكَّر ، فعمّ في كل جمع جمع من الملائكةِ ، ولا يلزم من ذلك انتفاء كلِّ فردٍ فردٍ من الملائكة ، لو قلت : «ما في الدار من رجال » جاز أن يكون فيها واحدٌ ، لأن النفي إنما انسحب على جمع ، ولا يلزم من انتفاء الجمع أن ينتفي المفردُ ، والملك في الآية ليس في سياق نفي دخلت عليه «مِنْ » وإنَّما جِيءَ به مفرداً ؛ لأنه أخفُّ ، ولأن قوله : { على أَرْجَائِهَا } يدلُّ على الجمع ؛ لأن الواحد بما هو واحد لا يمكن أن يكون «على أرجائِهَا » في وقتٍ واحدٍ بل أوقات ، والمراد - والله أعلم - أن الملائكة على أرجائها إلاَّ أنه ملك واحد ينتقل على أرجائها في أوقات .
وقال شهاب الدين : إنَّ الزمخشريَّ منزعهُ في هذا ما تقدم عنه في أواخر سورة «البقرة » عند قوله : { وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ }[ البقرة : 285 ] فليرجع ثمَّة .
وأما قول أبي حيان : «ما مِنْ رجالٍ » أن النفي منسحبٌ على رُتَب الجمع ، ففيه خلاف ، والتحقيق ما ذكره .
قوله : { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } .
الضمير في «فَوقَهُمْ » يجوز أن يعود على «الملائكة » بمعنى كما تقدم ، وأن يعود على الحاملين الثمانية .
وقيل : إنَّ حملة العرشِ فوقَ الملائكةِ الذينَ في السماء على أرجائها .
وقيل : يعود على جميع العالم ، أي : أن الملائكة تحمل عرش الله فوق العالم كلِّه .
قال ابن عباس : ثمانية صنوفٍ من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله{[57775]} .
وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاكٍ{[57776]} .
وعن الحسن : الله أعلمُ كم هم ثمانية ، أم ثمانية آلاف ، أو ثمانية صفوف{[57777]} . وعن النبي صلى الله عليه وسلم «أَنَّ حَمَلةَ العَرْشِ اليَوْم أربعةُ أوعالٍ ، فإذَا كان يومُ القيامةِ أيدهُم اللَّهُ بأربَعة آخرين ، فكانُوا ثَمانيَةً » خرَّجَهُ الماورديُّ مرفوعاً عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم{[57778]} . ورواه العباسُ بنُ عبد المطّلب عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : «هُمْ ثَمانِيَةُ أملاكٍ على صورةِ الأوعالِ ، لكلِّ ملكٍ منهُم أربعةُ أوجهٍ : وجهُ رجُلٍ ، ووجهُ أسدٍ ، ووجهُ ثورٍ ، ووجهُ نسْرٍ ، وكلُّ وجهٍ مِنْهَا يسألُ اللَّهَ الرِّزقَ لذلك الجِنْسِ »{[57779]} .
فإن قيل : إذا لم يكنْ فيهم صورةُ وعلٍ ، فكيف سُمُّوا أوعالاً ؟ .
فالجواب : أنَّ وجْهَ الثَّور إذا كانت له قرون الوعْلِ أشبه الوعْلَ .
وفي الخبرِ : «أنَّ فَوْقَ السَّماءِ السَّابعةِ ثمانيةَ أوْعالٍ بينَ أظلافهِنَّ ورُكبهنَّ مثلُ ما بَيْنَ سماءٍ إلى سماءٍ ، وفوقَ ظُهورهِنَّ العَرْشُ »{[57780]} ذكره القشيريُّ ، وخرَّجهُ الترمذيُّ من حديث العباس بن عبد المُطلبِ .
وفي حديث مرفوع : «أنَّ حَمَلَةَ العرْشِ ثَمَانيَةُ أمْلاكٍ ؛ على صُوَرِ الأوعالِ ، ما بين أظْلافهَا إلى رُكَبِهَا مسِيْرةُ سبعِينَ عاماً للطَّائرِ المُسْرعِ » .
ورُوي أنَّ أرجلهنَّ في السَّماءِ{[57781]} السَّابعةِ{[57782]} .
إضافة العرش إلى الله - تعالى - كإضافة البيت إليه ، وليس البيتُ للسكنِ ، فكذلك العرشُ ، ومعنى «فوقهم » أي : فوق رءوسهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.