الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

وقال جمهور من المفسرين : الضميرُ في { أَرْجَائِهَا } عائدٌ على السَّمَاءِ أي : الملائِكَة على نَوَاحِيهَا ، والرَّجَا الجَانِبُ مِنْ البئر أو الحائط ؛ ونحوه ، وقال الضحاكُ وابنُ جبير وغيرهما : الضميرُ في : { أَرْجَائِهَا } عائدٌ عَلى الأرْضِ ، وإنْ كان لم يتقدم لها ذكرٌ قريبٌ ؛ لأنَّ القصةَ واللفظَ يَقْتَضِي إفهَام ذلك ، وفَسَّرُوا هذه الآيةَ بما رُوِيَ من أن اللَّه تعالى يأمر ملائِكَةَ سَمَاءِ الدنيا ، فيقفونَ صَفًّا على حَافَّاتِ الأرضِ ، ثم يأمرُ ملائكة السماءِ الثانية ؛ فَيَصُفُّونَ خلفَهم ، ثم كذلك ملائكةُ كُلّ سماءٍ ، فكلما نَدَّ أحدٌ من الجنِ أو الإنسِ ، وَجَدَ الأرضَ قد أُحِيطَ بها ، قالوا : فهذا تفسير هذه الآية ؛ وهو أيضاً معنى قوله : { وَجَاءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] وهو تفسير : { يَوْمَ التناد * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } [ غافر : 32 و33 ] على قراءةِ من شَدَّدَ الدال ، وهو تفسيرُ قوله : { يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنْسِ } [ الرحمن : 33 ] واختلفَ الناسُ في الثمانيةِ الحاملينَ للعرشِ ، فقال ابن عباس : هي ثمانيةُ صفوفٍ مِنَ الملائكة لا يَعْلَم أَحَدٌ عِدَّتَهم ، وقال ابن زيدِ : هُمْ ثمانيةُ أمْلاَكٍ على هيئةِ الوُعُولِ ، وقال جماعة من المفسرين : هم على هيئة الناسِ أرجلُهم تَحْتَ الأرْضِ السابعةِ ، ورؤوسهم وكواهلهم فَوْقَ السماءِ السابعةِ ، قال الغَزَّالِيُّ في «الدرة الفاخرة » : هم ثمانيةُ أمْلاَكٍ قَدَمُ المَلَكِ منهم مسيرةُ عشرينَ ألْفَ سنةٍ ، انتهى . والضميرُ في قوله : { فَوْقَهُمُ } قيل : هو للملائكَةِ الحَمَلَةِ ، وقيل : للعالم كلّه .