الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

قوله : { عَلَى أَرْجَآئِهَآ } : خبرُ المبتدأ . والضميرُ للسماء . وقيل : للأرض . قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : ما الفرقُ بين قولِه " والمَلَكُ " وبين أنْ يقال : والملائكة ؟ قلت : المَلَكُ أعَمُّ مِنْ الملائكةِ ؛ ألا ترى أنَّ قولَك " ما مِنْ مَلَكٍ إلاَّ وهو شاهِدٌ " أعمُّ من قولِك : " ما مِنْ ملائكة " انتهى . قال الشيخ : " ولا يَظْهر أنَّ المَلَكَ أعَمُّ مِنْ الملائكةِ ؛ لأنَّ المفردَ المحلَّى بالألف واللام [ الجنسية ] قُصاره أَنْ يكونَ مُراداً به الجمعُ المُحلَّى [ بهما ] ولذلك صَحَّ الاستثناءُ منه ، فقصاراه أن يكونَ كالجمعِ المُحَلَّى بهما ، وأمَّا دَعْواه أنه أعَمُّ منه بقوله : " ألا ترى إلى آخره " فليس دليلاً على دَعْواه ؛ لأنَّ " مِنْ مَلَكٍ " نكرةٌ مفردةٌ في سياقِ النفيِ قد دَخَلَتْ عليها " مِنْ " المُخَلِّصةُ للاستغفارق . فَشَمَلَتْ كلَّ مَلَكٍ ، فاندرج تحتها الجمعُ لوجود الفردِ فيه ، فانتفى كلُّ فردٍ بخلافِ " مِنْ ملائكة " فإنَّ " مِنْ " دَخَلَتْ على جمع مُنكَّرٍ ، فَعَمَّ في كلِّ جمعٍ جمعٍ من الملائكة ، ولا يلزَمُ مِنْ ذلك انتفاءُ كلِّ فردٍ مَنْ الملائكة . لو قلت : " ما في الدارِ مِنْ رجال " جاز أَنْ يكونَ فيها واحدٌ ؛ لأنَّ النفيَ إنما انسحب على جمعٍ ، ولا يَلْزَمُ مِنْ انتفاءِ الجمعِ أَنْ ينتفيَ المفرد ، والمَلَكُ في الآية ليس في سياقِ نفيٍ دَخَلَتْ عليه " مِنْ " وإنما جيء به مفرداً لأنه أَخفُّ ، ولأنَّ قولَه " على أَرْجائِها " يَدُلُّ على الجَمْعِ ؛ لأنَّ الواحدَ بما هو واحدٌ لا يمكنُ أَنْ يكونَ " على أرجائها " في وقتٍ واحدٍ ، بل في أوقاتٍ . والمرادُ واللَّهُ أعلَمُ أنَّ الملائكةَ على أرجائها ، لا أنه مَلَكٌ/ واحدٌ ينتقِلُ على أرجائها في أوقات " .

قلت : الزمخشريُّ مَنْزَعُه في هذا ما قدَّمْتُه عنه في أواخرِ سورةِ البقرة عند قوله { وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } فليُراجَعْ ثمة . وأمَّا قولُ الشيخ : " ما [ في الدار ] مِنْ رجال ، إنَّ النفي مَنسَحِبٌ على رُتَبِ الجمعِ " ففيه خلافٌ للناسِ ونَظَرٌ . والتحقيقُ ما ذكره . والضمير في " فوقهم " يجوزُ أَنْ يعودَ على المَلَك ؛ لأنه بمعنى الجمع كما تقدَّم ، وأَنْ يعودَ على الحامِلينَ الثمانيةِ . وقيل : يعود على جمع العالَمِ ، أي : إن الملائكةَ تحملُ عَرْشَ اللَّهِ تعالى فوق العالَمِ كلِّه .

قوله : { ثمانيةٌ } أَبْهم اللهُ تعالى هذا العددَ ، فلم يَذْكُرْ له تمييزاً فقيل : تقديرُه ثمانية أشخاصٍ . وقيل : ثمانيةُ صُنوفٍ .

/خ18