البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

الأرجاء : الجوانب ، واحدها رجا ، أي جانب من حائط أو بئر ونحوه ، وهو من ذوات الواو ، ولذلك برزت في التثنية . قال الشاعر :

كأن لم ترا قبلي أسيراً مقيدا *** ولا رجلاً يرمي به الرجوان

وقال الآخر :

فلا يرمي به الرجوان إني *** أقل اليوم من يغني مكاني

{ والملك على أرجائها } ، قال ابن عباس : على حافاتها حين تنشق ، والظاهر أن الضمير في حافاتها عائد على السماء .

وقال ابن جبير والضحاك : على حافات الأرض ، ينزلون إليها يحفظون أطرافها ، وإن لم يجر لها ذكر قريب .

كما روي أن الله تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا فيقفون صفاً على حافات الأرض ، ثم ملائكة الثانية فيصفون حولهم ، ثم ملائكة كل سماء ، فكلما ندّ أحد من الجن والإنس وجد الأرض أحيط بها .

{ والملك } : اسم جنس يراد به الملائكة .

وقال الزمخشري : فإن قلت : ما الفرق بين قولك : { والملك } ، وبين أن يقال : والملائكة ؟ قلت : الملك أعم من الملائكة .

ألا ترى أن قولك : ما من ملك إلا وهو شاهد ، أعم من قولك : ما من ملائكة ؟ انتهى .

ولا يظهر أن الملك أعم من الملائكة ، لأن المفرد المحلى بالألف واللام الجنسية قصاراه أن يراد به الجمع المحلى بهما ، ولذلك صح الاستثناء منه ، فقصاراه أن يكون كالجمع المحلى بهما .

وأما دعواه أنه أعم منه بقوله : ألا ترى الخ ، فليس دليلاً على دعواه ، لأن من ملك نكرة مفردة في سياق النفي قد دخلت عليها من المخلصة للاستغراق ، فشملت كل ملك فاندرج تحتها الجمع لوجود الفرد فيه فانتفى كل فرد فرد ، بخلاف من ملائكة ، فإن من دخلت على جمع منكر ، فعم كل جمع جمع من الملائكة ، ولا يلزم من ذلك انتفاء كل فرد فرد من الملائكة .

لو قلت : ما في الدار من رجال ، جاز أن يكون فيها واحد ، لأن النفي إنما انسحب على جمع ، ولا يلزم من انتفاء الجمع أن ينتفي المفرد .

والملك في الآية ليس في سياق نفي دخلت عليه من فيكون أعم من جمع دخلت عليه من ، وإنما جيء به مفرداً لأنه أخف ، ولأن قوله : { على أرجائها } يدل على الجمع ، لأن الواحد بما هو واحد لا يمكن أن يكون على أرجائها في وقت واحد ، بل في أوقات .

والمراد ، والله تعالى أعلم ، أن الملائكة على أرجائها ، لا أنه ملك واحد ينتقل على أرجائها في أوقات .

وقال الزمخشري : يعني أنها تنشق ، وهي مسكن الملائكة ، فينضوون إلى أطرافها وما حولها من حافاتها . انتهى .

والضمير في فوقهم عائد على الملك ضمير جمع على المعنى ، لأنه يراد به الجنس ، قال معناه الزمخشري .

وقيل : يعود على الملائكة الحاملين ، أي فوق رؤوسهم .

وقيل : على العالم كلهم .

والظاهر أن التمييز المحذوف في قوله : { ثمانية } أملاك ، أي ثمانية أشخاص من الملائكة ؛ وعن الضحاك : ثمانية صفوف ؛ وعن الحسن ، الله أعلم كم هم ، أثمانية صفوف أم ثمانية أشخاص ؟ وذكروا في صفات هؤلاء الثمانية أشكالاً متكاذبة ضربنا عن ذكرها صفحاً .