معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

قوله تعالى : { وإذ تأذن ربكم } ، أي : أعلم ، يقال : أذن وتأذن بمعنى واحد ، مثل أوعد وتوعد ، { لئن شكرتم } يعني فآمنتم وأطعتم { لأزيدنكم } في النعمة . وقيل : الشكر : قيد الموجود ، وصيد المفقود . وقيل : لئن شكرتم بالطاعة لأزيدنكم في الثواب . { ولئن كفرتم } ، نعمتي فجحدتموها ولم تشكروها ، { إن عذابي لشديد } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

وقال لهم حاثا على شكر نعم الله : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ } أي : أعلم ووعد ، { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } من نعمي { وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } ومن ذلك أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم .

والشكر : هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى . وكفر النعمة ضد ذلك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

ثم حكى - سبحانه - أن موسى - عليه السلام - قد أرشد قومه إلى سنة من سنن الله التى لا تتخلف فقال : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } . .

وقوله : { تأذن } بمعنى آذن أى أعلم ، يقال : آذن الأمر بالأمر أى : أعلمه ، إلا أن صيغة التفعل تفيد المبالغة فى الإِعلام ، فيكون معنى " تأذن " : أعلم إعلاما واضحا بليغا لا التباس معه ولا شبهة .

واللام فى قوله : { لَئِن شَكَرْتُمْ } موطئة للقسم . وحقيقة الشكر : الاعتراف بنعم الله - تعالى - واستعمالها فى مواضعها التى أرشدت الشريعة إليها .

وقوله : { لأَزِيدَنَّكُمْ } ساد مسد جوابى القسم والشرط .

والمراد بالكفر فى قوله : { وَلَئِن كَفَرْتُمْ } كفر النعمة وجحودها ، وعدم نسيتها إلى واهبها الحقيقى وهو الله - تعالى - كما قال قارون { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِي } وعدم استعمالها يما خلقت له ، إلى غير ذلك من وجوه الانحراف بها عن الحق .

وجملة : { إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } دليل على الجواب المحذوف لقوله { وَلَئِن كَفَرْتُمْ } إذ التقدير : ولئن كفرتم لأعذبنكم ، إن عذابى لشديد .

قال الجمل : " وإنما حذف هنا وصرح به فى جانب الوعد ، لأن عادة أكرم الأكرمين أن بصرح بالوعد ويعرض بالوعيد " .

والمعنى : واذكر أيها المخاطب وقت أن قال موسى لقومه : يا قوم إن ربكم قد أعلمكم إعلاما واضحا بليغا مؤكداً بأنكم إن شكرتموه على نعمه ، زادكم من عطائه وخيره ومننه ، وإن جحدتم نعمه وغمطتموها واستعملتموها فى غير ما يرضيه ، محقها من بين أيديكم ، فإنه - سبحانه - عذابه شديد ، وعقابه أليم .

هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير هنا جملة من الأحاديث الموجبة للشكر ، والمحذرة من الجحود فقال :

وقد جاء فى الحديث الشريف : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " .

وروى الإِمام أحمد عن أنس قال : أتى النبى - صلى الله عليه وسلم - سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها - و وحش بها أى : رماها - قال : وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقال السائل : سبحانه الله ! ! ترمة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال للجارية : إذهبى إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهما التى عندها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

ويمضي موسى في البيان لقومه . بعد ما ذكرهم بأيامه . ووجههم إلى الغاية من العذاب والنجاة . وهي الصبر للعذاب والشكر للنجاة . . يمضي ليبين لهم ما رتبه الله جزاء على الشكر والكفران :

( وإذ تأذن ربكم : لئن شكرتم لأزيدنكم ، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) . .

ونقف نحن أمام هذه الحقيقة الكبيرة : حقيقة زيادة النعمة بالشكر ، والعذاب الشديد على الكفر

نقف نحن أمام هذه الحقيقة تطمئن إليها قلوبنا أول وهلة لأنها وعد من الله صادق . فلا بد أن يتحقق على أية حال . . فإذا أردنا أن نرى مصداقها في الحياة ، ونبحث عن أسبابه المدركة لنا ، فإننا لا نبعد كثيرا في تلمس الأسباب .

إن شكر النعمة دليل على استقامة المقاييس في النفس البشرية . فالخير يشكر لأن الشكر هو جزاؤه الطبيعي في الفطرة المستقيمة .

هذه واحدة . . والأخرى أن النفس التي تشكر الله على نعمته ، تراقبه في التصرف بهذه النعمة . بلا بطر ، وبلا استعلاء على الخلق ، وبلا استخدام للنعمة في الأذى والشر والدنس والفساد .

وهذه وتلك مما يزكي النفس ، ويدفعها للعمل الصالح ، وللتصرف الصالح في النعمة بما ينميها ويبارك فيها ؛ ويرضي الناس عنها وعن صاحبها ، فيكونون له عونا ؛ ويصلح روابط المجتمع فتنمو فيه الثروات في أمان . إلى آخر الأسباب الطبيعية الظاهرة لنا في الحياة . وإن كان وعد الله بذاته يكفي لاطمئنان المؤمن ، أدرك الأسباب أو لم يدركها ، فهو حق واقع لأنه وعد الله .

والكفر بنعمة الله قد يكون بعدم شكرها . أو بإنكار أن الله واهبها ، ونسبتها إلى العلم والخبرة والكد الشخصي والسعي ! كأن هذه الطاقات ليست نعمة من نعم الله ! وقد يكون بسوء استخدامها بالبطر والكبر على الناس واستغلالها للشهوات والفساد . . وكله كفر بنعمة الله . .

والعذاب الشديد قد يتضمن محق النعمة . عينا بذهابها . أو سحق آثارها في الشعور . فكم من نعمة تكون بذاتها نقمة يشقى بها صاحبها ويحسد الخالين ! وقد يكون عذابا مؤجلا إلى أجله في الدنيا أو في الآخرة كما يشاء الله . ولكنه واقع لأن الكفر بنعمة الله لا يمضي بلا جزاء .

/خ27

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ تَأَذّنَ رَبّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } .

يقول جلّ ثناؤه : واذكروا أيضا حين آذنكم ربكم . وتأذّن : تفعّل من أذن ، والعرب ربما وضعت «تفعّل » موضع «أفعل » ، كما قالوا : أوعدته وتوعدته بمعنى واحد ، وآذن : أعلم ، كما قال الحارث بن حِلّزة :

آذَنَتْنا بِبَيْنِها أسمْاءُ *** رُبّ ثاوٍ يُمَلّ مِنْهُ الثّوَاءُ

يعني بقوله : آذنتنا : أعلمتنا .

وذُكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ «وإذ قال ربكم » .

حدثني بذلك الحارث ، قال : ثني عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش عنه حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وبه ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ : وإذ قال ربكم ذلك التأذّن .

وقوله : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنّكُمْ يقول : لئن شكرتم ربكم بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم لأزيدنكم في أياديه عندكم ونعمه عليكم على ما قد أعطاكم من النجاة من آل فرعون والخلاص من عذابهم . وقيل في ذلك قول غيره ، وهو ما :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا الحسن بن الحسن ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : سمعت عليّ بن صالح ، يقول في قول الله عزّ وجلّ : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنّكم قال : أي من طاعتي .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت عليّ بن صالح ، فذكر نحوه .

حدثني أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان : لئنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنّكُمْ قال : من طاعتي .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن ، في قوله : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزيدَنّكُمْ قال : من طاعتي .

ولا وجه لهذا القول يفهم ، لأنه لم يجر للطاعة في هذا الموضع ذكر ، فيقال : إن شكرتموني عليها زدتكم منها ، وإنما جرى ذكر الخبر عن إنعام الله على قوم موسى بقوله : وَإذْ قالَ مُوسَى لقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ ثم أخبرهم أن الله أعلمهم إن شكروه على هذه النعمة زادهم ، فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلام : زادهم من نعمه ، لا مما لم يجر له ذكر من الطاعة ، إلا أن يكون أريد به : لئن شكرتم فأطعتموني بالشكر لأزيدنكم من أسباب الشكر ما يعينكم عليه ، فيكون ذلك وجها .

وقوله : وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ يقول : ولئن كفرتم أيها القوم نعمة الله ، فجحدتموها ، بترك شكره عليها ، وخلافه في أمره ونهيه وركوبكم معاصيَه إنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ : أعذّبكم كما أعذّب من كفر بي من خلقي . وكان بعض البصريين يقول في معنى قوله : وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ وتأذّن ربكم . ويقول : «إذ » من حروف الزوائد . وقد دللنا على فساد ذلك فيما مضى قبل .