معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

قوله تعالى : { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت } نفرت ، وقال ابن عباس ، ومجاهد ، ومقاتل : انقبضت عن التوحيد . وقال قتادة : استكبرت . وأصل الاشمئزاز النفور ، والاستكبار . { قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه } يعني : الأصنام { إذا هم يستبشرون } يفرحون . قال مجاهد ، ومقاتل : وذلك حين قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة والنجم فألقى الشيطان في أمنيته تلك الغرانيق العلى ففرح به الكفار .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

{ 45 - 46 } { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

يذكر تعالى حالة المشركين ، وما الذي اقتضاه شركهم أنهم { إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ } توحيدا له ، وأمر بإخلاص الدين له ، وترك ما يعبد من دونه ، أنهم يشمئزون وينفرون ، ويكرهون ذلك أشد الكراهة .

{ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد ، ودعا الداعي إلى عبادتها ومدحها ، { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } بذلك ، فرحا بذكر معبوداتهم ، ولكون الشرك موافقا لأهوائهم ، وهذه الحال أشر الحالات وأشنعها ، ولكن موعدهم يوم الجزاء . فهناك يؤخذ الحق منهم ، وينظر : هل تنفعهم آلهتهم التي كانوا يدعون من دون اللّه شيئا ؟ .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

ثم بين - سبحانه - أحوال هؤلاء المشركين ، عندما يذكر - سبحانه - وحده دون أن تذكر معه آلهتهم ، كما بين أحوالهم السيئة يوم القيامة ، وكيف أنهم يندمون ولا ينفعهم الندم ، وكيف أنهم لو ملكوا فى هذا اليوم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ، لقدموه فداء لأنفسهم من أهوال عذاب يوم القيامة . . فقال - تعالى - :

{ وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت . . . } .

قوله - تعالى - : { اشمأزت . . } أى : نفرت وانقبضت وذعرت ، مأخوذ من الشَّمْزِ ، وهو نفور النفس مما تكرهه .

قال الإِمام الرازى : أعلم أن هذا نوع آخر من الأعمال القبيحة للمشركين وهو أنك إذا ذكرت الله وحده . . ظهرت آثار النفرة فى وجوههم وقلوبهم ، وإذا ذكرت الأًنام والأوثان ظهرت آثار الفرح . . وذلك يدل على الجهل والحماقة ، لأن ذكرالله رأس السعادة ، وعنوان الخيرات ، وأما ذكر الأصنام فهو رأس الحماقات . .

أى : إنك - أيها الرسول الكريم - إذا ذكرت الله - تعالى - وحده ، ونسبت إليه ما يليق به - سبحانه - من وحدانيته وقدرته . . دون أن ذتكر معه الأصنام اشمأزت وانقبضت وذعرت نفوس هؤلاء المشركين الجهلاء ، أما إذا ذكرت آلهتهم سواء أذكرت الله - تعالى - معها أم لم تذكره ، إذا هم يستبشرون ويبتهجون .

والتعبير بالاشمئزاز والاستبشار ، يشعر بأنهم قد بلغوا الغاية فى الأمرين ، فهم عند ذكر الله - تعالى - تمتلئ قلوبهم إلى نهايتهم غما وهما وانقباضا وذعرا . وعند ذكر أصنامهم تمتلئ قلوبهم إلى نهايتها - أيضا - بهجة وسرورا حتى لتظهر آثار ذلك على بشرتهم . . .

وحالهم هذا يدل على أنهم قد بلغوا الغاية - أيضا - فى الجهالة والسفاهة والغفلة . .

وهذا الذى ذكرته الآية الكريمة من اشمئزاز الكافرين عند ذكر الله - تعالى - واستبشارهم عند ذكر غيره ، نرى ما يشبهه عند كثير من الناس . . .

فكم من أناس إذا حدثتهم عن ذات الله - تعالى - وصفاته ، وعن سلامة دينه وتشريعاته ، وعن آداب قرآنه وهداياته ، وعن كل ما يتعلق بوجوب تنفيذ أوامره ونواهيه . . انقبضت نفوسهم ، واكفهرت وجوههم ، وتمنوا لو أنك تركت الحديث عن ذلك .

أما إذا سمعوا ما يتعلق بالتشريعات والنظم التى هى من صنع البشر - استبشرت نفوسهم ، وابتهجت أساريرهم .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وفي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القرآن وَحْدَهُ وَلَّوْاْ على أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً } وقال الآلوسى : وقد رأينا كثيرا من النسا على نحو هذه الصفة التى وصف الله - تعالى - بها المشركين ، يهشون لذكر أموات يستغيثون بهم ويطلبون منهم ، ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم . . وينقبضون من ذكر الله - تعالى - وحده - ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه - عز وجل - وسرد ما يدل على مزيد عظمته وجلاله . وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة ، وينسبونه إلى ما يكره . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

36

وفي هذا الموقف الذي يتفرد فيه الله سبحانه بالملك والقهر يعرض كيف هم ينفرون من كلمة التوحيد ويهشون لكلمة الشرك ، الذي ينكره كل ما حولهم في الوجود :

( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ) .

والآية تصف واقعة حال على عهد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] حين كان المشركون يهشون ويبشون إذا ذكرت آلهتهم ؛ وينقبضون وينفرون إذا ذكرت كلمة التوحيد . ولكنها تصف حالة نفسية تتكرر في شتى البيئات والأزمان . فمن الناس من تشمئز قلوبهم وتنقبض نفوسهم كلما دعوا إلى الله وحده إلهاً ، وإلى شريعة الله وحدها قانوناً ، وإلى منهج الله وحده نظاماً . حتى إذا ذكرت المناهج الأرضية والنظم الأرضية والشرائع الأرضية هشوا وبشوا ورحبوا بالحديث ، وفتحوا صدورهم للأخذ والرد . هؤلاء هم بعينهم الذين يصور الله نموذجاً منهم في هذه الآية ، وهم بذاتهم في كل زمان ومكان . هم الممسوخو الفطرة ، المنحرفو الطبيعة ، الضالون المضلون ، مهما تنوعت البيئات والأزمنة ، ومهما تنوعت الأجناس والأقوام .