مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

قوله تعالى : { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ، قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ، ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ، وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون }

اعلم أن هذا نوع آخر من الأعمال القبيحة للمشركين ، وهو أنك إذا ذكرت الله وحده تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ظهرت آثار النفرة من وجوههم وقلوبهم ، وإذا ذكرت الأصنام والأوثان ظهرت آثار الفرح والبشارة في قلوبهم وصدورهم ، وذلك يدل على الجهل والحماقة ، لأن ذكر الله رأس السعادات وعنوان الخيرات ، وأما ذكر الأصنام التي هي الجمادات الخسيسة ، فهو رأس الجهالات والحماقات ، فنفرتهم عن ذكر الله وحده واستبشارهم بذكر هذه الأصنام من أقوى الدلائل على الجهل الغليظ والحمق الشديد ، قال صاحب «الكشاف » وقد يقابل الاستبشار والاشمئزاز إذ كل واحد منهما غاية في بابه لأن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا حتى يظهر أثر ذلك السرور في بشرة وجهه ويتهلل ، والاشمئزاز أن يعظم غمه وغيظه فينقبض الروح إلى داخل القلب فيبقى في أديم الوجه أثر الغبرة والظلمة الأرضية .