فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

{ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ } انتصاب وحده على الحال عند يونس ، وعلى المصدر عند الخليل وسيبويه ، والاشمئزاز في اللغة النفور ، فقال أبو عبيدة : اشمأزت نفرت ، وقال المبرد : انقبضت ، وبالأول قال قتادة ، وبالثاني قال مجاهد ، والمعنى متقارب ، وقال المؤرج : أنكرت ، وقال أبو زيد : اشمأز الرجل ذعر من الفزع . والمناسب للمقام تفسير اشمأزت بانقبضت ، وهو في الأصل الازورار ، وكان المشركون إذا قيل لهم : لا إله إلا الله انقبضوا ، كما حكاه الله عنهم في قوله :

{ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا } قال ابن عباس في الآية : اشمأزت قست ونفرت هؤلاء الأربعة الذين لا يؤمنون بالآخرة أبو جهل ابن هشام ، والوليد بن عقبة ، وصفوان ، وأبي بن خلف .

{ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } اللات والعزى وغيرهما من الأصنام { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أي يفرحون بذلك ، ويبتهجون به ، والعامل في { إذا } في قوله { وَإِذَا ذُكِرَ الله } الفعل الذي بعدها وهو اشمأزت ، والعالم في إذا في قوله { وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ } الخ الفعل العامل في إذا الفجائية ، والتقدير فاجأوا الاستبشار وقت ذكر الذين من دونه ، وذلك لفرط افتتانهم بها ، ونسيانهم حق الله .

ولقد بالغ في الأمرين حتى بلغ الغاية فيهما ، فإن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه ، والاشمئزاز أن يمتلئ غضبا وغما حتى ينقبض أديم وجهه ،