البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ} (45)

اشمأز ، قال أبو زيد : زعر .

قال غيره : تقبض كراهة ونفوراً .

قال الشاعر :

إذا عض الثقات بها اشمأزت *** وولته عشوزية زبونا

{ وإذا ذكر الله وحده } : أي مفرداً بالذكر ، ولم يذكر مع آلهتهم .

وقيل : إذا قيل لا إله إلا الله ، { وإذا ذكر الذين من دونه } ، وهي الأصنام .

والاشمئزاز والاستبشار متقابلان غاية ، لأن الاشمئزاز : امتلاء القلب غماً وغيظاً ، فيظهر أثره ، وهو الانقباض في الوجه ، والاستبشار : امتلاؤه سروراً ، فيظهر أثره ، وهو الانبساط ، والتهلل في الوجه .

وقال الزمخشري : فإن قلت : ما العامل في وإذا ذكر ؟ قلت : العامل في إذا الفجائية تقديره : وقت ذكر الذين من دونه فاجأوا الاستبشار .

وقال الحوفي : { إذا هم يستبشرون } ، إذا مضافة إلى الابتداء والخبر ، وإذا مكررة للتوكيد وحذف ما تضاف إليه ، والتقدير : إذا كان ذلك هم يستبشرون ، فيكون هم يستبشرون العامل في إذا ، المعنى : إذا كان ذلك استبشروا . انتهى .

أما قول الزمخشري : فلا أعلمه من قول من ينتمي للنحو ، وهو أن الظرفين معمولان لعامل واحد ، ثم إذا الأولى ينتصب على الظرف ، والثانية على المفعول به .

وأما قول الحوفي فبعيد جدًّا عن الصواب ، إذ جعل إذا ماضفة إلى الابتداء والخبر ، ثم قال : وإذا مكررة للتوكيد وحذف ما تضاف إليه ، فكيف تكون مضافة إلى الابتداء والخبر الذي هم يستبشرون ؟ وهذا كله يوجبه عدم الإتقان لعلم النحو والتحدث فيه ، وقد تقدم لنا في مواضع إذا التي للمفاجأة جواباً لإذا الشرطية ، وقد قررنا في علم النحو الذي كتبناه أن إذا الشرطية ليست مضافة إلى الجملة التي تليها ، وإن كان مذهب الأكثرين ، وأنها ليست بمعمولة للجواب ، وأقمنا الدليل على ذلك ، بل هي معمولة للفعل الذي يليها ، كسائر أسماء الشرطية الظرفية ، وإذا الفجائية رابطة لجملة الجزاء بجملة الشرط ، كالفاء ؛ وهي معمولة لما بعدها .

إن قلنا إنها ظرف ، سواء كان زماناً أو مكاناً .

ومن قال إنها حرف ، فلا يعمل فيها شيء ، فإذا الأولى معمولة لذكرهم ، والثانية معمولة ليستبشرون .

ولما أخبر عن سخافة عقولهم باشمئزازهم من ذكر الله ، واستبشارهم بذكر الأصنام ، أمره أن يدعو بأسماء الله العظمى من القدرة والعلم ونسبة الحكم إليه ، إذ غيره لا قدرة له ولا علم تام ولا حكم ، وفي ذلك وصف لحالهم السيىء ووعيد لهم وتسلية للرسول عليه السلام .