قوله تعالى : { ربنا اغفر لي ولوالدي } ، فإن قيل : كيف استغفر لوالديه وهما غير مؤمنين ؟ قيل قد قيل إن أمه أسلمت . وقيل : أراد : إن أسلما وتابا . وقيل : قال ذلك قبل أنه يتبين له أمر أبيه ، وقد بين الله تعالى عذر خليله صلى الله عليه وسلم في استغفاره لأبيه في سورة التوبة . { وللمؤمنين } ، أي : اغفر للمؤمنين كلهم ، { يوم يقوم الحساب } ، أي : يبدو ويظهر . وقيل : أراد يوم يقول الناس للحساب ، فاكتفي بذكر الحساب لكونه مفهوما .
ثم ختم إبراهيم - عليه السلام - تلك الدعوات الطيبات التى تضرع بها إلى ربه ، بما حكاه الله عنه فى قوله { رَبِّ اجعلني مُقِيمَ الصلاة وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ . رَبَّنَا اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحساب }
أى : يا رب اجعلنى من عبادك الذين يؤدون الصلاة فى أوقاتها بإخلاص وخشوع ، واجعل من ذريتى من يقتدى بى فى ذلك ، كما أسألك يا رب أن تتقبل دعائى ولا تخيبنى فى مطلوب أسألك إياه .
كما أسألك - يا إلهى - أن تغفر لى ذنوبى ، وأن تغفر لوالدى وللمؤمنين ، يوم يقوم الناس للحساب ، فتجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب .
وإنما طلب إبراهيم لوالديه المغفرة ، قبل أن يتبين له أن والده عدو لله . فلما تبين له ذلك تبرأ منه . قال - تعالى - { وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } أما أمه فقال بعضهم : إنها كانت مؤمنة ، وقال آخرون : لعلها توفيت قبل نبوته .
وبعد أن حكى - سبحانه - تلك الدعوات الطيبات التى تضرع بها إبراهيم إلى ربه ، والتى تضمنت أمهات الفضائل ، كسلامة القلب ، وطهارة النفس ، ورقة العاطفة ، وحسن المراقبة ، وحب الخير لغيره .
القول في تأويل قوله تعالى : { رَبّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ } .
وهذا دعاء من إبراهيم صلوات الله عليه لوالديه بالمغفرة ، واستغفار منه لهما . وقد أخبر الله عزّ ذكره أنه لم يكن اسْتِغْفارُ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوّ اللّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ إنّ إبْرَاهِيمَ لأَوّاهٌ حَلِيمٌ .
وقد بيّنا وقت تبرّئه منه فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته .
وقوله : وللْمُؤْمِنِينَ يقول : وللمؤمنين بك ممن تبعني على الدين الذي أنا عليه ، فأطاعك في أمرك ونهيك . وقوله : يَوْمَ يَقُومُ الحِسابُ يعني : يقوم الناس للحساب فاكتفى بذكر الحساب من ذكر الناس ، إذ كان مفهوما معناه .
دعا بالمغفرة لنفسه وللمؤمنين ولوالديه ما تقدم منه ومن المؤمنين قبل نبوءته وما استمر عليه أبُوه بعد دعوته من الشرك ، أما أمه فلعلها توفيت قبل نبوءته . وهذا الدعاء لأبويه قبل أن يتبين له أن أباه عدوّ لله كما في آية سورة براءة .
ومعنى { يقوم الحساب } : يثبت . استعير القيام للثبوت تبعاً لتشبيه الحساب بإنسان قائم ، لأن حالة القيام أقوى أحوال الإنسان إذ هو انتصاب للعمل . ومنه قولهم : قامت الحرب على ساق ، إذا قويت واشتدت . وقولهم : ترجلت الشمس ، إذا قوي ضوءها ، وتقدم عند قوله تعالى : { ويقيمون الصلاة } في أول سورة البقرة ( 4 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.