اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ يَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡحِسَابُ} (41)

قوله : { رَبَّنَا اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ } العامة على " والديَّ " بالألف بعد الواو وتشديد الياء ، وإبن جبير{[19349]} كذلك إلا أنه سكن الياء أراد والده وحده ، كقوله { واغفر لأبي } [ الشعراء : 86 ] .

وقرأ الحسين بن علي ، ومحمد بن زيد{[19350]} ابنا علي بن الحسين وابن يعمر -رضي الله عنهم : " ولِولدَيَّ " ودمن ألف ، تثنية " وَلد " ، ويعنى بهما : إسماعيل ، وإسحاق وأنكرها الجحدري بأن في مصحف أبي " ولأبويَّ " {[19351]} فهي مفسرة لقراءة العامة .

وروي عن ابن يعمر أنه قرأ : " وَلِوُلدِي " {[19352]} بضم الواو ، وسكون الياء ، وفيها تأويلان :

أحدهما : أنه جمع ولد كأسْد في أسَد .

وأن يكون لغة في الولد ، الحُزْنِ والحَزَن ، والعُدْمِ والعَدَم ، والبُخْلِ والبَخَل ، وعليه قول الشاعر : [ الطويل ]

فَليْتَ زِيَاداً كَان فِي بَطْنِ أمِّهِ *** وليْتَ زِيَاداً كَانَ وُلْدَ حِمَارِ{[19353]}

وقد قرئ بذلك في مريم ، والزخرف ، ونوح في السبعة ، كما سيأتي إن شاء الله -تعالى- .

و " يَوْمَ " [ نصب ]{[19354]} ب " اغْفِرْ " .

فِإن قيل : طلب المغفرة إنَّما يكون بعد الذنب ، وهو -صلوات الله وسلامه عليه- كان قاطعاً بأن الله يغفر له ، فكيف طلب ما كان قاطعاً بحصوله ؟ .

فالجواب : المقصود منه الالتجاء إلى الله ، وقطع الطَّمع إلاَّ من فضل الله تعالى وكرمه .

فإن قيل : كيف جاز أن يستغفر لأبويه ، كانا كافرين ؟ .

فالجواب : من وجوه :

الأول : أن المنع لا يعلم إلا بالتوقيف ، فلعله لم يجد [ منعاً ]{[19355]} ، فظن جوازه .

الثاني : أراد بالوالدين آدم وحواء -صلوات الله وسلامه عليهما- .

الثالث : كان ذلك بشرط الإسلام .

فإن قيل : لو كان الأمر كذلك لما كان ذلك الاستغفار باطلاً ، ولو لم يكن باطلاً لبطل قوله : { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [ الممتحنة : 4 ] .

فالجواب : أن الله -تعالى- بين عذر خليله في استغفاره لأبيه في سورة التوبة .

وقال بعضهم : كانت أمه مؤمنة ، ولهذا خص أباه بالذكر في قوله : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } [ التوبة : 114 ] .

في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ الحساب } قولان :

الأول : يقوم إلى بيت المقدس ، وهو مشتقّ من قيام القائم على الرجل ، كقولهم : قَامِتِ الحرُ على ساقها ، ونظيره : قوله : قامت الشمس أي : اشتعلت ، وثبت ضوءها كأنَّها قامت على رجل .

الثاني : أن يسند إلى الحساب قيام أهله على سبيل المجاز ، كقوله : { واسأل القرية } [ يوسف : 82 ] .


[19349]:ينظر: الكشاف 2/562 والمحرر الوجيز 3/443 والبحر المحيط 5/423 والدر المصون 4/276.
[19350]:ينظر: الكشاف 2/562 وقرأ بها أيضا الزهري والنخعي ينظر: المحرر الوجيز 3/343 والبحر المحيط 5/423 وينظر: الدر المصون 4/276.
[19351]:ينظر: الكشاف 2/562 والمحرر الوجيز 3/343 والبحر المحيط 5/423 والدر المصون 4/276.
[19352]:ينظر: المحرر الوجيز 3/343 والبحر المحيط 5/423 والدر المصون 4/276.
[19353]:البيت لنافع بن صفار الأسلمي. وروي فلانا مكانا زيادا، ينظر: البحر 5/423، المحتسب 1/365، معاني الفراء 2/173، التهذيب واللسان (ولد)، إصلاح المنطق /37، الدر المصون 4/276.
[19354]:في ب: منصوب.
[19355]:في أ: مانعا.