إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ يَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡحِسَابُ} (41)

{ رَبَّنَا اغفر لي } أي ما فرَطَ مني من ترك الأَولى في باب الدين وغيرَ ذلك مما لا يسلم منه البشر { ولوالدي } وقرئ بالتوحيد ولأبوي ، وهذا الاستغفارُ منه عليه السلام إنما كان قبل تبيّن الأمرِ له عليه السلام ، وقيل : أراد بوالديه آدمَ وحواءَ ، وقيل : بشرط الإسلام ويردّه قوله تعالى : { إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم } [ الممتحنة ، الآية 4 ] وقد مر في سورة التوبة نوعُ تحقيقٍ للمقام سيأتي تمامه في سورة مريم بفضل الله تعالى { وَلِلْمُؤْمِنِينَ } كافة من ذريته وغيرهم وللإيذان باشتراك الكلِّ في الدعاء بالمغفرة جيء بضمير الجماعة { يَوْمَ يَقُومُ الحساب } أي يثبُت ويتحقق محاسبةُ أعمالِ المكلفين على وجه العدل ، استُعير له من ثبوت القائمِ على الرجل بالاستقامة ، ومنه قامت الحربُ على ساق ، والمرادُ تهويلُه ، وقيل : أسند إليه قيامُ أهلِه مجازاً أو حذف المضاف كما في { واسأل القرية } [ يوسف ، الآية 82 ] واعلم أن ما حكي عنه عليه السلام من الأدعية والأذكار وما يتعلق بها ليس بصادر عنه على الترتيب المَحْكيِّ ولا على وجه المعيّة ، بل صدر عنه في أزمنة متفرّقةٍ حُكي مرتباً للدِلالة على سوء حال الكفرةِ بعد ظهور أمرِه في الملة وإرشادِ الناس إليها والتضرّعِ إلى الله تعالى لمصالحهم الدينية والدنيوية .