قوله تعالى : { فانتقمنا منهم } ، بالعذاب ، وذلك أن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام فبعث الله سحابة فالتجؤوا إليها يلتمسون الروح ، فبعث الله عليهم منها نارا فأحرقتهم ، فذلك قوله تعالى : { فأخذهم عذاب يوم الظلة } [ الشعراء-189 ] . { وإنهما } يعني مدينتي قوم لوط وأصحاب الأيكة { لبإمام مبين } ، بطريق واضح مستبين .
ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك جانبًا من قصة أصحاب الأيكة لزيادة العظات والعبر ، فقال - تعالى - : { وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيكة لَظَالِمِينَ فانتقمنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } و { إن } هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن المحذوف .
وأصحاب الأيكة ، هم قوم شعيب - عليه السلام - ، والأيك الشجر الكثير الملتف واحدته أيكة - كتمر وتمره - .
والمراد بها البقعة الكثيرة الأشجار التي كانت فيها مساكنهم ، قرب مدين قرية شعيب - عليه السلام - .
وجمهور العلماء على أن أهل مدين وأصحاب الأيكة قبيلة واحدة ، وأرسل الله - تعالى - إليهم جميعًا شعيبًا - عليه السلام - لأمرهم بإخلاص العبادة لله - تعالى - ، ونهيهم عن تطفيف الكيل والميزان ، وعن قطع الطريق . . .
وكانوا جميعًا يسكنون في المنطقة التي تسمى بمعّان ، على حدود الحجاز والشام ، أو أن بعضهم كان يسكن الحاضرة وهم أهل مدين ، والبعض الآخر كان يسكن في البوادى المجاورة لها والمليئة بالأشجار .
وقيل : إن شعيبًا - عليه السلام - أرسل إلى أمتين : أهل مدين ، وأصحاب الأيكة ، وهذه خصوصية له - عليه السلام - .
وعلى أية حال فالعلماء متفقون على أن أصحاب الأيكة هم قوم شعيب - عليه السلام - .
والإِمام : الطريق الواضح المعالم . وسمى الطريق إماما لأن المسافر يأتم به ، ويهتدى بمسالكه ، حتى يصل إلى الموضع الذي يريده .
والمعنى : وإن الشأن والحال أن أصحاب الأيكة كانوا ظالمين متجاوزين لكل حد ، فاقتضت عدالتنا أن ننتقم منهم ، بسبب كفرهم وفجورهم .
{ وإنهما } أى مساكن قوم لوط ، ومساكن قوم شعيب { لبإمام مبين } أى : لبطريق واضح يأتم به أهل مكة في سفرهم من بلادهم إلى بلاد الشام .
قال ابن كثير : وقد كانوا - أى أصحاب الأيكة - قريبًا من قوم لوط ، بعدهم في الزمان ، ومسامتين لهم في المكان ، ولهذا لما أنذر شعيب قومه قال في إنذاره لهم { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ }
وقوله : فانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِينٍ يقول : تعالى ذكره : فانتقمنا من ظلمة أصحاب الأيكة . وقوله : وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِينٍ يقول : وإن مدينة أصحاب الأيكة ومدينة قوم لوط . والهاء والميم في قوله : وإنّهما من ذكر المدينتين . لَبِإمامٍ يقول : لبطريق يأتمون به في سفرهم ويهتدون به . مُبِينٍ يقول : يبين لمن ائتمّ به استقامته . وإنما جعل الطريق إماما لأنه يوءَم ويُتّبع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِينٍ يقول : على الطريق .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِينٍ يقول : طريق ظاهر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى . قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِينٍ قال : بطريق معلم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِينٍ قال : طريق واضح .
حُدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لَبِإمامٍ مُبِينٍ بطريق مستبين .
والضمير في قوله { وإنهما } يحتمل أن يعود على المدينتين اللتين تقدم ذكرهما : مدينة قوم لوط ، ومدينة أصحاب الأيكة ، ويحتمل أن يعود للنبيين : على لوط وشعيب ، أي أنهما على طريق من الله وشرع مبين . و «الإمام » في كلام العرب الشيء الذي يهتدي به ويؤتم ، يقولونه لخيط البناء ، وقد يكون الطريق ، وقد يكون الكتاب المفيد ، وقد يكون القياس الذي يعمل عليه الصناع ، وقد يكون الرجل المقتدى به ، ونحو هذا ، ومن رأى عود الضمير في { إنهما } على المدينتين قال «الإمام » الطريق ، وقيل على ذلك «الإمام » الكتاب الذي سبق فيه إهلاكهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.