ثم قال -مستدلا بدليل عقلي على علمه- : { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه ، كيف لا يعلمه ؟ ! { وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الذي لطف علمه وخبره ، حتى أدرك السرائر والضمائر ، والخبايا [ والخفايا والغيوب ] ، وهو الذي { يعلم السر وأخفى } ومن معاني اللطيف ، أنه الذي يلطف بعبده ووليه ، فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر ، ويعصمه من الشر ، من حيث لا يحتسب ، ويرقيه إلى أعلى المراتب ، بأسباب لا تكون من [ العبد ] على بال ، حتى إنه يذيقه المكاره ، ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة ، والمقامات النبيلة .
ثم أكد - سبحانه - شمول علمه لكل شئ بقوله : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير } .
واللطيف من اللطف ، وهو العالم بخبايا الأمور ، والمدبر لها برفق وحكمة ويسر . .
والخبير : من الخُبْر ، وهو العلم بجزئيات الأشياء الخفية ، التي من شأنها أن يخبر الناس بعضهم بعضا بحدوثها ، لأنها كانت خافية عليهم .
ولفظ { من } فى قوله { مَنْ خَلَقَ } يصح أن يكون مفعولا لقوله { يَعْلَمُ } ، والعائد محذوف أي : ألا يعلم الله - تعالى - شأن الذين خلقهم ، والحال أنه سبحانه هو الذي لطف علمه ودق ، إذ هو المدبر لأمور خلقه برفق وحكمة ، العليم علما تاما بأسرار النفوس وخبايا ما توسوس به .
ويجوز أن يكون { من } فاعلا لقوله { يعلم } ، على أن المقصود به ذاته - تعالى - ويكون مفعول يعلم محذوفا للعلم به ، والمعنى : ألا يعلم السر ومضمرات القلوب ، الله الذي خلق كل شئ وأوجده ، وهو - سبحانه - الموصوف بأنه لطيف خبير .
والاستفهام على الوجهين لإِنكار ما زعمه المشركون من انتفاء علمه - تعالى - بما يسرونه فيما بينهم ، حيث قال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمعه رب محمد .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ * هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النّشُورُ } .
يقول تعالى ذكره : ألا يَعْلَمُ الربّ جلّ ثناؤه مَنْ خَلَقَ من خلقه ؟ يقول : كيف يخفى عليه خلقه الذي خلق ، وَهُوَ اللّطِيفُ بعباده ، الخَبِيرُ بهم وبأعمالهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.