غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ} (14)

1

ثم استدل على كمال علمه بنوع آخر قائلاً : { ألا يعلم من خلق } ومحل " من " رفع ، أي ألا يعلم من خلق مخلوقه ، وذلك أن خلق الشيء يتوقف على معرفة تفاصيل كمياته وكيفياته من خلقه ، وجوز أن يكون " من " بمعنى " ما " ويكون إشارة إلى ما يسره الخلق ويجهرونه ويضمرونه في صدورهم ، وهذا يقتضي أن تكون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى . وقد يستدل بالوجهين الأولين أيضاً على ذلك ، لأن العبد لو كان موجداً لأفعال نفسه ، لكان عالماً بتفاصيلها بناء على الآية . ولكنه غير عالم بتفاصيلها لأنه لا يعرف مقادير حركته وسكونه ، وكمية الجواهر الفردة الواقعة على مسافته ، بل لا يعرف الأسباب السابقة والغايات اللاحقة ، لا بكلها ولا بأكثرها في كل من أفعاله . وأنكر في الكشاف أن يكون قوله { ألا يعلم } متروك المفعول على تقادير كون " من " مرفوع المحل نحو " فلان يعطي " قال : لأن قوله { وهو اللطيف الخبير } حال ، والشيء لا يوقت بنفسه ، فلا يقال : ألا يعلم وهو عالم ، ولكن ، ألا يعلم كذا وهو عالم بكل شيء . قلت : أما قوله { وهو اللطيف } حال فممنوع ، ولم لا يجوز أن يكون مستأنفاً ، وعلى تقدير تسليمه فليس معنى قوله { ألا يعلم } متروك المفعول على تقدير كون " من " مرفوع المحل ، حتى يلزم توقيت الشيء بنفسه ، بل المعنى ألا يتصف الخالق بالعلم ، والحال أن علمه وصل إلى بواطن الأشياء وخبايا الأمور . وذلك أن المتصف بالأخص متصف بالأعم ضرورة .

/خ30