إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ} (14)

وقولُهُ تعالَى : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } إنكارٌ ونفيٌ لعدمِ إحاطةِ علمِهِ تعالَى بالمُضمرِ والمُظهرِ ، أي ألا يعلمُ السرَّ والجهرَ من أوجدَ بموجبِ حكمتِهِ جميعَ الأشياءِ التي هُمَا من جُملَتِهَا . وقولُهُ تعالَى : { وَهُوَ اللطيف الخبير } حالٌ من فاعلِ يعلمُ مؤكدةٌ للإنكارِ والنَّفيِ ، أي ألا يعلمُ ذلكَ والحالُ أنَّه المتوصلُ علمُهُ إلى ما ظهرَ من خلقِهِ وما بطنَ ، ويجوزُ أنْ يكونَ مَنْ خَلَقَ منصوباً ، والمَعْنَى ألا يعلمُ الله مَنْ خلقَهُ ، والحالُ أنَّهُ بهذِهِ المثابةِ من شمولِ العلمِ ، ولا مساغَ لإخلاءِ العلم عن المفعولِ بإجرائِهِ مَجْرَى يُعْطِي ويمنعُ ، على مَعْنَى ألا يكونُ عالِماً مَنْ خلقَ ، لأنَّ الخلقَ لا يتأتَّى بدونِ العلمِ ، لخلوِّ الحالِ حينئذٍ من الإفادةِ ، لأنَّ نظمَ الكلامِ حينئذ ، ألا يكونُ عالماً وهو مبالغٌ في العلمِ .