الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ} (14)

ثم قال تعالى : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )[ 14 ] .

" من " : في موضع رفع اسم الله جل ذكره . ويقبح أن تكون {[69382]} في موضع نصب لأنه يلزم أن يقال {[69383]} : ( ألا يعلم ما خلق ) ، لأنه راجع إلى ( ذات الصدور ) . فالمعنى : ألا يعلم من خلق الصدور سرها وعلانيتها {[69384]} ، كيف يخفى عليه خلقه وهو اللطيف بعباده ، الخبير بأعمالهم ؟ ! وإذا جعلت " من " بمعنى " ما " في موضع نصب ، كان فيه دليل قوي ) {[69385]} على أن الله خالق ما تكن الصدور من خير وشر . ففيه حجة [ قوية ] {[69386]} على القدرية الذين يدعون أنهم يخلقون الشر وأن الله لم يخلقه ولا قدره ، تعالى أن يكون في ملكه ما لم {[69387]} يخلقه وما لم يقدره ، بل لا خالق لكل {[69388]} شيء إلا الله ، ولو كان الشر لم يخلقه الله فمن خلق إبليس ؟ ! ومن خلق الأصنام التي تعبد من دون الله ؟ ! ومن خلق نطفة الزاني وولد الزانية ؟ ! ومن خلق قوة الزاني والسارق وقاطع الطريق {[69389]} ؟ ! وهو كله شر من خلق الله كما قال تعالى : ( يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) {[69390]} .

وقال : ( ولو شاء ربكما ما فعلوه ) {[69391]} ، فكلٌّ بمشيئته {[69392]} كان ، لا شريك له ، يفعل ما يشاء ، لا معقب لحكمه .

وكذلك يكون المعنى إذا جعلت " من " في موضع رفع اسم الله جل ذكره [ ويكون التقدير : ألا ] {[69393]} يعلم الخالق خلقه وهو ( ما ) {[69394]} في الصدور ( من خير وشر فيهم ذلك أن الخلق كله لله : ما في الصدور ) {[69395]} وغيره . وقال أهل الزيغ : " من " في موضع نصب يراد به الخلق {[69396]} دون ما في الصدور ، فهو {[69397]} يدل {[69398]} على خلق أصحاب الأفعال دون الأفعال ، وهو خطأ ظاهر على ما قدمنا {[69399]} .


[69382]:-أ: يكون.
[69383]:- ث: يقول
[69384]:- انظر: إعراب النحاس 4/470 وإعراب ابن الأنباري2/451.
[69385]:-ث: قوة.
[69386]:- م: قومة, وهو صحيح أيضا يقال:(( رمح قويم... أي مستقيم)) اللسان( قوم) إلا أن ما أثبته أدل على السياق, لأن الحديث هنا في الاحتجاج, يدل عليه أيضا قوله قبل هذا:(( فيه دليل قوي)).
[69387]:-أ: ما لا.
[69388]:-ث: كل.
[69389]:- أ: الطرق.
[69390]:- فاطر:8.
[69391]:- الأنعام:113.
[69392]:-أ: بمشيئة الله.
[69393]:-م ث: يكون الا.
[69394]:- ساقط من ث.
[69395]:- ساقط من أ.
[69396]:- أ: الخلود.
[69397]:-ساقط من أ.
[69398]:-أك فيدل.
[69399]:-انظر: تفصيل هذه المسألة في تفسير الرازي 30/67-68 ردا على المعتزلة.