معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (53)

قوله تعالى : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } ، قال الكلبي : كان المشركون يؤذون المسلمين فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { وقل لعبادي } المؤمنين { يقولوا } للكافرين { التي هي أحسن } ولا يكافئوهم بسفههم . قال الحسن : يقول له : يهديك الله . وكان هذا قبل الإذن في الجهاد والقتال . وقيل : نزلت في عمر بن الخطاب شتمه بعض الكفار فأمره الله بالعفو . وقيل : أمر الله المؤمنين بأن يقولوا ويفعلوا التي هي أحسن أي : الخلة التي هي أحسن . وقيل : الأحسن كلمة الإخلاص لا إله إلا الله . { إن الشيطان ينزغ بينهم } ، أي : يفسد ويلقي العداوة بينهم ، { إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً } ، ظاهر العداوة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (53)

{ 53-55 } { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا * وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا }

وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال :

{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم ، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما .

والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره .

وقوله : { إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ } أي : يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم .

فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها ، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فإنه يدعوهم { ليكونوا من أصحاب السعير }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (53)

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ التي هِيَ أَحْسَنُ . . . } الآية نزلت فى عمر بن الخطاب . وذلك أن رجلا من العرب شتمه ، وسبه عمر وهَمَّ بقتله ، فكادت تثير فتنة ، فأنزل الله فيه : { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ التي هِيَ أَحْسَنُ } .

وقيل : " نزلت لما قال المسلمون : ائذن لنا يا رسول الله فى قتال المشركين ، فقد طال إيذاؤهم لنا فقال : " لم أومر بعد بالقتال " " .

والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لعبادى المؤمنين ، أن يقولوا عند محاورتهم لغيرهم ، الكلمة التى هى أحسن ، والعبارة التى هى أرق وألطف .

وذلك لأن الكلمة الطيبة ، تزيد فى المودة التى بين المؤمنين ، وتكسر حدة العداوة التى بينهم وبين أعدائهم .

قال - تعالى - : { وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } قال الآلوسى : ومقول فعل الأمر محذوف ، أى : قل لهم قولوا التى هى أحسن يقولوا ذلك . فجزم يقولوا لأنه جواب الأمر . وإلى هذا ذهب الأخفش .

وقال الزجاج : إن قوله { يقولوا } هو المقول ، وجزمه بلام الأمر محذوفة ، أى : قل لهم ليقولوا . . . .

وقوله - سبحانه - : { إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } تعليل للأمر السابق .

أى : إن الشيطان يتربص بكم ، ويتلمس السقطات التى تقع من أفواهكم ، والعثرات التى تنطق بها ألسنتكم ، لكى يشيع الشر بينكم ، ويبذر بذور الشر والبغضاء فى صفوفكم ، ويهيج أعداءكم عليكم .

وينزغ بمعنى يفسد . يقال : نزغه - كنفعه - ينزغه ، إذا طعن فيه واغتابه ، وقوله : { إِنَّ الشيطان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً } تعليل لحرص الشيطان على الإِفساد بينهم .

أى إن الشيطان حريص على الإِفساد بين الناس ، لأنه ظاهر العداوة لهم منذ القدم ولقد حذرنا الله - سبحانه - من الشيطان وكيده فى كثير من آيات القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السعير } وقوله - تعالى - : { يابني ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الجنة يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : يأمر الله - تبارك وتعالى - عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين ، أن يقولوا فى مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن ، والكلمة الطيبة ، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم ، وأخرج الكلام إلى الفعال ، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة ، فإنه عدو لآدم وذريته . . وعداوته ظاهرة بينة ، ولهذا نهى أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة ، فإن الشيطان ينزغ فى يده .

أى : فربما أصابه بها .

روى الإِمام أحمد عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح ، فإنه لا يدرى أحدكم ، لعل الشيطان أن ينزغ فى يده ، فيقع فى حفرة من النار " .