قيل : سبب نزولها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شتمه بعض الكفرة ، فسبه عمر وهم بقتله فكاد يثير فتنة فنزلت الآية وهي منسوخة بآية السيف ، وارتباطها بما قبلها أنه لما تقدم ما نسب الكفار لله تعالى من الولد ، ونفورهم عن كتاب الله إذا سمعوه ، وإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم ونسبته إلى أنه مسحور ، وإنكار البعث كان ذلك مدعاة لإيذاء المؤمنين ومجلبة لبغض المؤمنين إياهم ومعاملتهم بما عاملوهم ، فأمر الله تعالى نبيه أن يوصي المؤمنين بالرفق بالكفار واللطف بهم في القول ، وأن لا يعاملوهم ، بمثل أفعالهم وأقوالهم ، فعلى هذا يكون المعنى { قل لعبادي } المؤمنين { يقولوا } للمشركين الكلم { التي هي أحسن } .
وقيل : المعنى { يقولوا } أي يقول بعض المؤمنين لبعض الكلم التي هي أحسن أي يجل بعضهم بعضاً ويعظمه ، ولا يصدر منه إلاَّ الكلام الطيب والقول الجميل ، فيكونوا مثل المشركين في معاملة بعضهم بعضاً بالتهاجي والسباب والحروب والنهب للأموال والسبي للنساء والذراري .
وقيل : عبادي هنا المشركون إذ المقصود هنا الدعاء إلى الإسلام ، فخوطبوا بالخطاب الحسن ليكون ذلك سبباً إلى قبول الدين فكأنه قيل : قل للذين أقروا أنهم عباد لي يقولوا { التي هي أحسن } وهو توحيد الله تعالى وتنزيهه عن الولد واتخاذ الملائكة بنات فإن ذلك من نزغ الشيطان ووسوسته وتحسينه .
وقيل : عبادي شامل للفريقين المؤمنين والكافرين على ما يأتي تفسير { التي هي أحسن } والذي يظهر أن لفظة عبادي مضافة إليه تعالى كثر استعمالها في المؤمنين في القرآن كقوله { فبشر عبادي الذين يستمعون القول } { فادخلي في عبادي } عيناً { يشرب بها عباد الله }
و { قل } خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو أمر ، ومعمول القول محذوف تقديره قولوا { التي هي أحسن } وانجزم { يقولوا } على أنه جواب للأمر الذي هو قل قاله الأخفش ، وهو صحيح المعنى على تقدير أن يكون عبادي يراد به المؤمنون لأنهم لمسارعتهم لامتثال أمر الله تعالى بنفس ما يقول لهم ذلك قالوا { التي هي أحسن } .
وعن سيبويه إنه انجزم على جواب لشرط محذوف ، أي إن يقل لهم { يقولوا } فيكون في قوله حذف معمول القول وحذف الشرط الذي { يقولوا } جوابه .
وقال المبرد : انجزم جواباً للأمر الذي هو معمول { قل } أي قولوا { التي هي أحسن } { يقولوا } .
وقيل معمول { قل } مذكور لا محذوف وهو { يقولوا } على تقدير لام الأمر وهو مجزوم بها قاله الزجّاج .
وقيل : { يقولوا } مبني وهو مضارع حل محل المبني الذي هو فعل الأمر فبني ، والمعنى { قل لعبادي } قولوا قاله المازني ، وهذه الأقوال جرت في قوله { قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة } وترجيح ما ينبغي أن يرجح مذكور في علم النحو .
و { التي هي أحسن } قالت فرقة منهم ابن عباس هي قول لا إله إلاّ الله .
قال ابن عطية : ويلزم على هذا أن يكون قوله { لعبادي } يريد به جميع الخلق لأن جميعهم مدعو إلى لا إله إلاّ الله .
ويجيء قوله بعد ذلك { إن الشيطان ينزغ بينهم } غير مناسب للمعنى إلاّ على تكبره بأن يجعل بينهم بمعنى خلالهم وأثناءهم ويجعل النزغ بمعنى الوسوسة والإملال .
وقال الحسن يرحمك الله يغفر الله لك ، وعنه أيضاً الأمر بامتثال الأوامر واجتناب المناهي .
وقيل القول للمؤمن يرحمك الله وللكافر هداك الله .
وقال الجمهور : وهي المحاورة الحسنى بحسب معنى معنى .
وقال الزمخشري : فسر { التي هي أحسن } بقوله : { ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم } يعني يقول لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تقولوا لهم أنكم من أهل النار وأنكم معذبون وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشر .
وقوله : { إن الشيطان ينزغ بينهم } اعتراض بمعنى يلقي بينهم الفساد ويغري بعضهم على بعض ليقع بينهم المشارّة والمشاقة .
وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : إذا أردتم الحجة على المخالف فاذكروها بالطريق الأحسن وهو أن لا يخلط بالسب كقوله { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن } { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن } وخلط الحجة بالسب سبب للمقابلة بمثله ، وتنفير عن حصول المقصود من إظهار الحجة وتأثيرها ، ثم نبه على هذا الطريق بقوله : { إن الشيطان ينزغ بينهم } جامعاً للفريقين أي متى امتزجت الحجة بالإيذاء كانت الفتنة انتهى .
وقرأ طلحة { ينزغ } بكسر الزاي .
قال أبو حاتم : لعلها لغة والقراءة بالفتح .
وقال الزمخشري : هما لغتان نحو يعرشون ويعرشون انتهى .
ولو مثل بينطح وينطح كان أنسب وبين تعالى سبب النزغ وهي العداوة القائمة لأبيهم آدم قبلهم وقوله { ثم لآتينهم من بين أيديهم } الآية وغيرها من الآيات الدالة على تسلطه على الإنسان وابتغاء الغوائل المهلكة له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.