تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (53)

الآية 53 : وقوله تعالى : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحس } يحتمل قوله : { التي هي أحسن }الوجوه الثلاثة :

أحدهما : الدعوة كقوله : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة }( النحل : 125 )فالتأنيث للدعوة ، كأنه قال : ادعوا لهم الدعوة التي على إضمار الدعوة ، وجائز على إضمار الحسنة ، أي قل لهم أن يقولوا لهم الحسنة ، هي أحسن ، أو على إضمار الأقوال التي هي أحسن الأقوال ، وإلا فظاهره أن يقول : قولوا{[10964]} الذي هو أحسن .

والثاني : على إضمار المجادلة والمناظرة معهم كقوله : { وجادلهم بالتي هي أحسن }( النحل : 125 )أمر رسوله أن يجادلهم أحسن المجادلة والمحاجة معهم .

والثالث : في حسن المعاملة معهم والعفو والصفح عما كان منهم إلى المسلمين من أنواع الأذى ، فأمرهم أن يحسنوا معاملتهم ، ويصفحوا عنهم ( كقوله ){[10965]} { فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين }( المائدة : 13 )وكقوله : { ادفع بالتي هي أحسن }( المؤمنون : 96 )وكقوله{[10966]}{ والكاظمين الغيظ }الآية{ آل عمران : 134 }ونحوه من الآيات أمرهم أن يعاملوا أولئك أحسن المعاملة ، ولا يكافئهم بسوء صنيعهم ، ولكن يعفون عنهم ، ويصفحون لما لعلهم يكونون أولياء{ جميعا }( المعارج : 10 ) ، على ما أخبر ، ويصيرون إخوانا لهم من بعد هذا في حق وأما من جهة الحكمة ، وهي{[10967]} أن الله تعالى أنشأ هذا اللسان ، وجعله ترجمانا بين الخلق ، به يفهم بعضهم من بعض ، وبه تقضى حوائج{[10968]} بعضهم من بعض ، وبه قوام معاشهم ومعاملتهم{[10969]} ، وبه بعث الرسل والكتب جميعا ، فإذا كان كذلك فالواجب ألا يستعمل إلا في الخير والحكمة ، ولا ينطق به إلا ما هو أحسن وأصوب ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن الشيطان ينزغ بينهم } أي يفسد بينهم ، ويوسوس إليهم ، ويُعَدِّي بعضهم على بعض ليفسد بينهم ، وذلك دأبه { إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا } أي كان الشيطان منذ كان للإنسان عدوا مظهرا{[10970]} عداوته{ مبينا } جعل الله تعالى الشيطان بحيث يوسوس إليهم ، ويدعوهم إلى أشياء يظنون أن ذلك خير لهم ، وأبدا يلقي إليهم ما يقع لهم ، ويُحَبِّبُ إلى كل مذهبا ، يقع عنده أنه{[10971]} الحق فيقصد بذلك الإفساد وإلقاء العداوة بينهم . أبدا هذا دأبه وشأنه ؛ يجبر كلا إلى جهة ، ويري كل أحد جهة غير الجهة التي أرى الآخر ، والله أعلم .


[10964]:في الأصل و.م : يقولوا.
[10965]:ساقطة من الأصل و.م.
[10966]:في الأصل و.م: وقوله.
[10967]:في الأصل و.م : وهو.
[10968]:في الأصل و.م : الحوائج.
[10969]:في الأصل و.م : ومعادهم.
[10970]:في الأصل و.م: ظاهرا.
[10971]:في الأصل و.م : هو.