مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (53)

قوله تعالى { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا . وربك أعلم بمن في السموات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا } .

اعلم أن قوله : { قل لعبادي } فيه قولان :

القول الأول : أن المراد به المؤمنون ، وذلك لأن لفظ العباد في أكثر آيات القرآن ، مختص بالمؤمنين قال تعالى : { فبشر عباد * الذين يستمعون القول } وقال : { فادخلي في عبادي } وقال : { عينا يشرب بها عباد الله } .

إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى لما ذكر الحجة اليقينية في إبطال الشرك وهو قوله : { لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } وذكر الحجة اليقينية في صحة المعاد وهو قوله : { قل الذي فطركم أول مرة } قال في هذه الآية وقل يا محمد لعبادي إذا أردتم إيراد الحجة على المخالفين فاذكروا تلك الدلائل بالطريق الأحسن . وهو أن لا يكون ذكر الحجة مخلوطا بالشتم والسب ، ونظير هذه الآية قوله : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } وقوله : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } وذلك لأن ذكر الحجة لو اختلط به شيء من السب والشتم لقابلوكم بمثله كما قال : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } ويزداد الغضب وتتكامل النفرة ويمتنع حصول المقصود ، أما إذا وقع الاقتصار على ذكر الحجة بالطريق الأحسن الخالي عن الشتم والإيذاء أثر في القلب تأثيرا شديدا فهذا هو المراد من قوله : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } ثم إنه تعالى نبه على وجه المنفعة في هذا الطريق فقال : { إن الشيطان ينزغ بينهم } جامعا للفريقين أي متى صارت الحجة مرة ممزوجة بالبذاءة صارت سببا لثوران الفتنة .

ثم قال : { إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا } والمعنى : أن العداوة الحاصلة بين الشيطان وبين الإنسان عداوة قديمة قال تعالى حكاية عنه : { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } وقال : { كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين } وقال : { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم } وقال : { لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم } إلى قوله : { إني بريء منكم } .