التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (53)

{ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا 53 } [ 53 ]

( 1 ) عبادي : المرجح أن المقصود بالكلمة : المسلمون .

( 2 ) ينزغ : يدس ويوسوس ويفسد .

في الآية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ليبلغ عباد الله المسلمين أن يقولوا التي هي أحسن ، أو ألاّ يتجادلوا إلاّ بالتي هي أحسن ، وأن يتجنبوا المخاشنة ، وأن يحذروا من وساوس الشيطان ودسائسه بينهم فهو ألدّ أعداء الإنسان .

تعليق على آية

{ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وظروفها وتلقينها

وقد روى الزمخشري في كشافه : أن الآية نزلت في مناسبة مشادّة وقعت بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورجل من الكفار ، فبدر من هذا كلام بذيء ، فهمّ عمر رضي الله عنه بتأديبه . كما روى الطبرسي في مجمع البيان أنها نزلت بمناسبة طلب المسلمين الإذن بقتال المشركين الذين يؤذون المسلمين . وليس ما يمنع صحة إحدى الروايتين . غير أن وحدة أسلوب السياق تلهم أن الآية تضمنت إشارة إلى الحادث في سياق قرآني عام ، وأنها استمرار للسياق السابق الذي احتوى صورا لما كان يحتدم بين المسلمين والكفار من جدل . فأمرت النبي صلى الله عليه وسلم تبليغ المسلمين بوجوب الجدل بالتي هي أحسن واجتناب العنف والإثارة مع الكفار الذين يلعب الشيطان في عقولهم . فذلك أحرى أن يسد الباب على الشيطان وأن يؤلف القلوب ويخفف العناد ويحمل على الرجوع إلى الصواب .

وقد قال بعض المفسرين : إن الوصية في الآية عائدة إلى تعامل المسلمين فيما بينهم{[1304]} . ومع أن هذا مما وصّى به القرآن في مواضع عديدة على ما سوف نشرحه في مناسباته فإن صرف الكلام في الآية إلى ما بين المسلمين والكفار هو الأوجه والمستلهم من روحها وسياقها ، وقد قال به غير واحد من المفسرين أيضا{[1305]} .

وفي سورة الجاثية آية فيها شيء من الصراحة والتأييد وهي هذه { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ 14 } وقد نزلت في مناسبة مماثلة على ما رواه المفسرون{[1306]} .

وفي الآية تلقين جليل مستمر المدى فيما احتوته من الأمر بالمحاسنة واللين وقول التي هي أحسن والمجادلة بالتي هي أحسن ؛ لأن المخاشنة والعنف مما يوسع الخلاف ويثير العداء والحقد ويدفع إلى العناد والمكابرة . ويغطي على الحق والحقيقة مطلقا . وسواء أكان ذلك في سياق الجدل والمناظرة أو التعامل فيما بين المسلمين وغيرهم أو فيما بين المسلمين أنفسهم .

وقد تكرر هذا الأمر في سور أخرى عديدة مكية ومدنية مما يدل على ما أعارته حكمة التنزيل من عناية له .

وفي كتب التفسير أحاديث متنوعة في صدد ذلك . منها ما ورد في كتب الصحاح ، من ذلك حديثان رواهما الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعده فتخلفه " {[1307]} و " كفى بك ألاّ تزال مخاصما " {[1308]} وحديث رواه الأربعة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه " {[1309]} وحديث رواه أبو داود ومسلم عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا عائشة أرفقي فإنّ الرّفق لم يكن في شيء إلاّ زانه ولا نزع من شيء قطّ إلاّ شانه " {[1310]} .


[1304]:انظر تفسيرها في مجمع البيان للطبرسي. والغريب أن هذا المفسر هو الذي روى أن سبب نزولها طلب المسلمين الإذن بقتال الذين يؤذون المسلمين من المشركين.
[1305]:انظر تفسيرها في كشاف الزمخشري وتفسيري ابن كثير والطبري.
[1306]:انظر تفسير الآية في ابن كثير و الكشاف مثلا.
[1307]:المصدر نفسه.
[1308]:المصدر نفسه.
[1309]:المصدر نفسه.
[1310]:المصدر نفسه.