معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

قوله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً } على أنك نبي صادق فيما تخبر .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِيَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىَ وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ شَهِيداً * مّحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىَ عَلَىَ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ مِنْهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } .

يعني تعالى ذكره بقوله : هُوَ الّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِينِ الحَقّ الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالبيان الواضح ، وَدِين الحَق ، وهو الإسلام الذي أرسله داعيا خلقه إليه لِيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلّهِ يقول : ليبطل به الملل كلها ، حتى لا يكون دين سواه ، وذلك كان كذلك حتى ينزل عيسى ابن مريم ، فيقتل الدجال ، فحينئذٍ تبطل الأديان كلها ، غير ، دين الله الذي بعث به محمدا صلى الله عليه وسلم ، ويظهر الإسلام على الأديان كلها .

وقوله : وكَفَى باللّهِ شَهِيدا يقول جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم : أشهدك يا محمد ربك على نفسه ، أنه سيظهر الدين الذي بعثك به وكَفَى باللّهِ شَهِيدا يقول : وحسبك به شاهدا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا أبو بكر الهُذليّ ، عن الحسن هُوَ الّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِين الحَقّ ليُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلّهِ وكَفَى شَهِيدا يقول : أشهد لك على نفسه أنه سيُظْهِر دينك على الدين كله ، وهذا إعلام من الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، والذين كرهوا الصلح يوم الحُديبية من أصحابه ، أن الله فاتح عليهم مكة وغيرها من البلدان ، مسليهم بذلك عما نالهم من الكآبة والحزن ، بانصرافهم عن مكة قبل دخولهموها ، وقبل طوافهم بالبيت ،

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

زيادة تحقيق لصدق الرؤيا بأن الذي أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين ما كان ليريه رؤيا صادقة . فهذه الجملة تأكيد للتحقيق المستفاد من حرف ( قد ) ولام القسم في قوله : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } [ الفتح : 27 ] . وبهذا يظهر لك حسن موقع الضمير والموصولِ في قوله : { هو الذي أرسل رسوله } لأن الموصول يفيد العلم بضمون الصلة غالباً .

والضمير عائد إلى اسم الجلالة في قوله : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا } ، وهم يعلمون أن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من الله فهو يذكرهم بهاتين الحقيقتين المعلومتين عندهم حين لم يجروا على موجَب العلم بهما فخامرتهم ظنون لا تليق بمن يعلم أن رؤيا الرسول وحي وأن الموحي له هو الذي أرسله فكيف يريه رؤيا غير صادقة . وفي هذا تذكير ولَوْم للمؤمنين الذين غفلوا عن هذا وتعريض بالمنافقين الذين أدخلوا التردد في قلوب المؤمنين .

والباء في { بالهدى } للمصاحبة وهو متعلق ب { أرسل } والهدى أطلق على ما به الهدى ، أي كقوله تعالى : { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] ، وقوله : { شهرُ رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس } [ البقرة : 185 ] . وعطف { دين الحق } على الهدى ليشمل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأحكام أصولها وفروعها مما أوحي به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم سوى القرآن من كل وحي بكلام لم يقصد به الإعجاز أو كان من سُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم

ويجوز أن يكون المراد { بالهدى } أصول الدين من اعتقاد الإيمان وفضائل الأخلاق التي بها تزكية النفس ، و { بدين الحق } : شرائع الإسلام وفروعه .

واللام في { ليظهره } لتعليل فعل { أرسل } ومتعلقاته ، أي أرسله بذلك ليظهر هذا الدين على جميع الأديان الإلهية السالفة ولذلك أكد ب { كله } لأنه في معنى الجمع . ومعنى { يظهره } يُعْلِيه . والإظهار : أصله مشتق من ظهر بمعنى بدا ، فاستعمل كناية عن الارتفاع الحقيقي ثم أطلق مجازاً عن الشرف فصار أظهره بمعنى أعلاه ، أي ليشرفه على الأديان كلها ، وهذا كقوله في حق القرآن { مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه } [ المائدة : 48 ] .

ولما كان المقصود من قوله : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى الخ الشهادة بأن الرؤيا صدْق ذيّل الجملة بقوله : وكفى باللَّه شهيداً } أي أجزأتكم شهادة الله بصدق الرؤيا إلى أن تروا مَا صْدَقَها في الإبان . وتقدم الكلام على نظير { وكفى باللَّه شهيداً } في آخر سورة النساء ( 79 ) .