معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

قوله تعالى : { طلعها } ثمرها سمي طلعاً لطلوعه ، { كأنه رؤوس الشياطين } قال ابن عباس رضي الله عنهما : هم الشياطين بأعيانهم شبه بها لقبحها ، لأن الناس إذا وصفوا شيئاً بغاية القبح قالوا : كأنه شيطان ، وإن كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها متصور في النفس ، وهذا معنى قول ابن عباس و القرظي ، وقال بعضهم : أراد بالشياطين الحيات ، والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطاناً . وقيل : هي شجرة قبيحة مرة منتنة تكون في البادية ، تسميها العرب رؤوس الشياطين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

يقول تعالى ذكره : أهذا الذي أعطيت هؤلاء المؤمنين الذين وصفت صفتهم من كرامتي في الجنة ، ورزقتهم فيها من النعيم خير ، أو ما أعددت لأهل النار من الزّقُوم . وعُنِي بالنزل : الفضل ، وفيه لغتان : نُزُل ونُزْل يقال للطعام الذي له ريع : هو طعام له نُزْل ونُزُل . وقوله : أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ ذكر أن الله تعالى لما أنزل هذه الاَية قال المشركون : كيف ينبتُ الشجر في النار ، والنار تُحْرق الشجر ؟ فقال الله : إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ يعني لهؤلاء المشركين الذين قالوا في ذلك ما قالوا ، ثم أخبرهم بصفة هذه الشجرة فَقالَ إنّها شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ حتى بلغ فِي أصْلِ الجَحِيمِ قال : لما ذكر شجرة الزقوم افتتن الظَلَمة ، فقالوا : ينبئكم صاحبكم هذا أن في النار شجرة ، والنار تأكل الشجر ، فأنزل الله ما تسمعون : إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ، غُذِيت بالنار ومنها خُلقت .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال أبو جهل : لما نزلت إنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ قال : تعرفونها في كلام العرب : أنا آتيكم بها ، فدعا جارية فقال : ائتيني بتمر وزُبْد ، فقال : دونكم تَزَقّموا ، فهذا الزّقوم الذي يخوّفكم به محمد ، فأنزل الله تفسيرها : أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ قال : لأبي جهل وأصحابه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمينَ قال : قول أبي جهل : إنما الزّقوم التمر والزبد أتَزَفّمه .

وقوله : طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِين يقول تعالى ذكره : كأن طلع هذه الشجرة ، يعني شجرة الزقوم في قُبحه وسماجته رؤوس الشياطين في قُبحها .

وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «إنّها شَجَرَةٌ نابِتَةٌ فِي أصْلِ الجَحِيمِ » ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : طَلْعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِينُ قال : شبهه بذلك .

فإن قال قائل : وما وجه تشبيهه طلع هذه الشجرة برؤوس الشياطين في القبح ، ولا علم عندنا بمبلغ قبح رؤوس الشياطين ، وإنما يمثّل الشيء بالشيء تعريفا من المُمّثل المُمّثل له قربُ اشتباه الممثّل أحدهما بصاحبه مع معرفة المُمَثّل له الشيئين كليهما ، أو أحدَهما ، ومعلوم أن الذين خوطبوا بهذه الاَية من المشركين ، لم يكونوا عارفين شَجَرة الزقوم ، ولا برؤوس الشياطين ، ولا كانوا رأوهما ، ولا واحدا منهما ؟ .

قيل له : أما شجرة الزقوم فقد وصفها الله تعالى ذكره لهم وبينها حتى عرفوها ما هي وما صفتها ، فقال لهم : شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِينِ فلم يتركهم في عَماء منها . وأما في تمثيله طلعها برؤوس الشياطين ، فأقول لكلّ منها وجه مفهوم : أحدها أن يكون مثل ذلك برؤوس الشياطين على نحو ما قد جرى به استعمال المخاطبين بالاَية بينهم وذلك أن استعمال الناس قد جرى بينهم في مبالغتهم إذا أراد أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء ، قال : كأنه شيطان ، فذلك أحد الأقوال . والثاني أن يكون مُثّل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطانا ، وهي حية لها عُرْف فيما ذُكر قبيح الوجه والمنظر ، وإياه عنى الراجز بقوله :

عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أحْلِفُكمِثْلِ شَيْطانِ الحَماطِ أعْرَفُ

ويروى عُجَيّزٌ . والثالث : أن يكون مثل نبت معروف برؤوس الشياطين ذُكِر أنه قبيح الرأس فإنّهُمْ لاََكِلُونَ مِنْها فَمالِئُونَ منها البُطُونَ يقول تعالى ذكره : فإن هؤلاء المشركين الذين جعل الله هذه الشجرة لهم فتنة ، لاَكلون من هذه الشجرة التي هي شجرة الزّقوم ، فمالئون من زَقّومها بطونهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

وقوله تعالى : { كأنه رؤوس الشيطان } اختلف الناس في معناه ، فقالت فرقة : شبه بثمر شجرة معروفة يقال لها { رؤوس الشياطين } وهي بناحية اليمن يقال لها الأستق ، وهو الذي ذكر النابغة في قوله :

تحيد من أستق سوداً أسافله . . . . . . {[9864]}

ويقال إنه الشجرة الذي يقال له الصوم وهو الذي يعني ساعدة بن جوبة في قوله :

موكل بشدوق الصوم يرقبها . . . من المغارب مخطوف الحشا زرم{[9865]}

وقالت فرقة : شبه ب { رؤوس } صنف من الحيات يقال لها الشياطين وهي ذوات أعراف ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]

عجيز تحلف حين أحلف . . . كمثل شيطان الحماط أعرف{[9866]}

وقالت فرقة : شبه بما استقر في النفوس من كراهة { رؤوس الشياطين } وقبحها ، وإن كانت لم تر ، وهذا كما تقول للأشعث المنتفش الشعر الكريه المنظر هذا شيطان ونحو هذا قول امرىء القيس : [ الطويل ]

أيقتلني والمشرفي مضاجعي . . . ومسنونة زرق كأنياب أغوال ؟{[9867]}

فإنما شبه بما استقر في النفوس من هيبتها .


[9864]:هذا جزء من بيت قاله النابغة في ميمية مطلعها: بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما واحتلت الشرع فالأجزاع من إضما والبيت بتمامه: تحيد من أستن سود أسافله مشي الإماء الغوادي تحمل الحزما وهو في وصف أتان، و(تحيد) معناه: تتجنب، وأستن: شجر يسمى كذلك، واحدها :أستنة بفتح التاء، وهو شجر قبيح الشكل، وقبيح منظر الثمرة، ويقال لثمره: رءوس الشياطين، وقد شبه هذا الشجر الذي تتجنبه الأتان بالإماء السود يمشين وهن يحملن أحزمة الحطب الذي جمعنه من الصحراء، وجملة(مشي الإماء...) حال من (أستن) وقد روي البيت:( أسافلها مثل الإماء)، وقد وقع هذا البيت في هذا الموضع من القصيدة في ديوان النابغة من رواية الأصمعي، وفي شرح البطليوسي، فيكون(تحيد) بالتاء راجعا لكلمة(الخرقاء) في قوله قبل هذا البيت:( وأقطع الخرق بالخرقاء)، ولكنه في رواية أخرى جاء بعد موضعه هذا بثلاثة أبيات، وعلى ذلك يكون(يحيد) بالياء لأن الكلام يعود على مذكر.
[9865]:البيت في اللسان(صَوَم)، قال: "والصوم: شجر على شكل شخص الإنسان، كريه المنظر جدا، يقال لثمره: رءوس الشياطين، ويعني بالشياطين الحيات، وليس له ورق، وقال أبو حنيفة: للصوم هدب، ولا تنتشر أفنانه، ينبت نبات الأثل ولا يطول طوله، وأكثر منابته بلاد بني شبانة، قال ساعدة بن جؤيّة: موكل...البيت".والشدوف:الشخوص، فهو موكل بها، يرقبها من الرعب يحسبها ناسا. ومن المعازب: من حيث يعزب عنه الشيء، أي: يتباعد. ومخطوف الحشا: ضامره، وزرم: لا يثبت في مكان.
[9866]:هذان البيتين من مشطور الرجز، وهما في اللسان(عنجرد)،واستشهد بهما الفراء في(معاني القرآن)، والعنجرد: المرأة الخبيثة سيئة الخلق، وقيل: السليطة، والحَمَاط: جنس من الحيات تسميه العرب: شيطان الحماط، يقال: شيطان حماط، كما يقال: ذئب غضبى، وتيس حلب، وأعرف: له عرف. والشاعر يشبه هذه المرأة الخبيثة بحية لها عرف.
[9867]:البيت من لاميته التي يتغزل فيها ويصف مغامراته وصيده وسعيه إلى المجد، والحديث في البيت عن بعل المعشوقة التي أحبته وهجرت زوجها، فقال عنها وعنه:"فأصبحت معشوقا وأصبح بعلها عليه القتام..."، وهو في البيت يستنكر أن يستطيع هذا الزوج قتله؛ لأنه يجيد استعمال السيف والنبال، أما هذا الزوج فكما قال امرؤ القيس بعد ذلك:"وليس بذي رمح، وليس بذي سيف، وليس بنبّال". والمشرفي هو السيف، والمسنونة الزرق: النبال، وقد شبهها بأنياب الأغوال، والغول غير معروفة، وهذا النوع من التشبيه يسمى التشبيه الوهمي؛ لأن الشاعر يتوهم شيئا في نفسه، أو يتصور له صورة وإن كان غير مرئي، وتصبح هذه الصورة المتوهمة مرسومة في النفوس، ومن ذلك أن العرب يتصورون كل قبيح في صورة الشيطان، ويتصورون كل حسن في صورة المَلَك، وقد أخبر سبحانه وتعالى عن صواحب يوسف بقوله:{ما هذا بشر إن هذا إلا مَلَك كريم}، وقد يسمى هذا التشبيه التشبيه التخييلي؛ لأن صورة المتشبه به متخيلة. والبيت في اللسان(غول)، و(مجمع البيان)، و(مختار الشعر الجاهلي)، و(روح المعاني)، والديوان.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

وجعَل لها طلعاً ، أي ثمراً ، وأطلق عليه اسم الطلع على وجه الاستعارة تشبيهاً له بطلع النخلة لأن اسم الطلع خاصّ بالنخيل . قال ابن عطية : عن السدي ومجاهد قال الكفار : كيف يخبر محمد عن النار أنها تنبت الأشجار ، وهي تأكلها وتذهبها ، فقولهم هذا ونحوه من الفتنة لأنه يزيدهم كفراً وتكذيباً .

و { رُءُوسُ الشَّياطِينِ } يجوز أن يكون مراداً بها رؤوس شياطين الجنّ جمع شيطان بالمعنى المشهور ورؤوس هذه الشياطين غير معروفة لهم ، فالتشبيه بها حوالة على ما تصوّر لهم المخيّلة ، وطلع شجرة الزقوم غير معروف فوُصف للناس فَظيعاً بَشِعاً ، وشبهت بشاعته ببشاعة رؤوس الشياطين ، وهذا التشبيه من تشبيه المعقول بالمعقول كتشبيه الإِيمان بالحياة في قوله تعالى : { لتنذر من كان حياً } [ يس : 70 ] والمقصود منه هنا تقريب حال المشبّه فلا يمتنع كون المشبه به غير معروف ولا كون المشبه كذلك .

ونظيره قول امرىء القيس :

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وقيل : أريد برؤوس الشياطين ثمر الأسْتن ، والأسْتَن ( بفتح الهمزة وسكون السين وفتح التاء ) شجرة في بادية اليمن يشبه شخوص الناس ويسمى ثمره رؤوس الشياطين ، وإنما سمّوه كذلك لبشاعة مرآه ثم صار معروفاً ، فشبه به في الآية . وقيل : { الشياطِينِ } : جمع شيطان وهو من الحيات ما لرؤوسه أعراف ، قال الراجز يشبه امرأته بحية منها :

عَنْجَرِدٌ تَحلف حينَ أحلف *** كمثل شيطانِ الحَمَاط أعْرَفُ

الحماط : جمع حَمَاطة بفتح الحاء : شجر تكثر فيه الحيات ، والعنجرِد بكسر الراء : المرأة السليطة .

وهذه الصفات التي وصفت بها شجرة الزقوم بالغة حداً عظيماً من الذم وذلك الذم هو الذي عبّر عنه بالملعونة في قوله تعالى : { والشجرة الملعونة في القرآن } في سورة [ الإِسراء : 60 ] ، وكذلك في آية { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل تغلي في البطون كغلي الحميم } في سورة [ الدخان : 43 - 46 ] .